ماذا يجري في لبنان؟ سؤال يطرحه المراقبون ولا جواب في المدى المنظور. فالفراغ الرئاسي بات واقعا اعتاد اللبنانيون على نمطه وارتضوا بتسيير شؤونهم بعيدا عن قصر بعبدا المهجور. وما يزيد من حيرة المراقبين أن الظروف والاتصالات كلها مهيأة لانتخاب الرئيس لكن في الأمتار القليلة المتبقية تتعرقل العملية الإنتخابية دائما ويعود الجميع إلى النقطة الأولى وكأن الـ 46 جلسة لم يكونوا.

من هي الأيدي التي تمسك وتمنع القوى السياسية المحلية من إكمال تنفيذ هذا الاستحقاق الرئاسي. فتبدو القوى العظمى القابضة على المقدرات الرئاسية أشبه بالأيدي الممسكة بالأشخاص في مسرح الدمى. فلا تتحرك اي دمية محلية إلا بأمر من القوى الإقليمية. وهكذا يبطل العجب عند المراقبين عندما اكتشفوا مدى سلطة الدول الإقليمية الفاعلة والآمرة للقادة اللبنانيين. وبالاشارة إلى صحة ما يعتقد هؤلاء فإن التذكير بالوقائع والأحداث السياسية هو خير دليل عما هو حاصل من عرقلة على الصعيد الرئاسي.

وفي التفاصيل اللبنانية التي لا تغني ولا تسمن في الاستحقاق الرئاسي تقول مصادر متابعة ان لجنة كانت في الساعة العاشرة في الرابية تناقش كعادتها صباح كل سبت آخر الأخبار الرئاسية قبل أن توضع في قالب تحليلي إيجابي لصالح العماد عون بعد أن يضع ايلي الفرزلي لمساته الأدبية وكريم بقرادوني تحليله السياسي لصالح شراع تموضعه الجديد. وعندما يصبح كل شيء جاهز، يقرأ أحدهم الخلاصة أمام العماد عون وفيها الضمانة والاطمئنان بأن الأمور سالكة إلى بعبدا ولم يعد ينقصها سوى بعض التفاصيل الصغيرة.

هذه الخلاصة وتلك التفاصيل لم تتغيّر منذ عام ونصف العام وفي كل سبت كان المجتمعون المختارون بعناية يجدون العذر الإقليمي أو المحلي لعدم الوصول. وفي التفاصيل أيضا أنه في السبت الماضي قبل عشرة أيام حضر إلى الرابية وفدا دبلوماسيا غربيا بعدما طلب موعدا فوريا مع الجنرال. ففي ذلك اللقاء فوجىء الإثنان، الوفد والجنرال بوقائع الحوار وما دار في الاجتماع. الوفد عرض على الجنرال رئيسا توافقيا يختاره هو شخصيا مع لائحة بأسماء الوزراء و الحقائب التي يريدها مع ضمانة دولية تعلن أمام وسائل الإعلام. طبعآ رفض عون كافة العروض قائلا: لن استسلم ولن اتراجع، وتمنى اعتبار هذا اللقاء كأنه لم يعقد. وأضاف أنه رفض الخطة برغم أنها تساوي المعروض منكم بالف مرة. طبعا هذه الخلاصة الموجزة للمواجهة في هذا اللقاء الذي خرج منه الوفد متوجسا من خيارات عون المرتقبة. وأبرزها استقالة الوزراء من حكومة سلام واستقالة جماعية من مجلس النواب باعتبار أنه غير شرعي.

أما في بيت الوسط كان فريق آخر قوامه بعض المقربين من الرئيس سعد الحريري يتنقلون بين بيت الوسط والرياض وباريس يعملون ليل ونهار على إختراع سيناريو جديد لفك الطوق والعزلة. وآخر ما توصلت إليه أريحية هؤلاء إعادة التأييد والدعم للعماد عون. وكانت ظنون هؤلاء بأن الرجل لن يمر لكن غسيل أيدينا في هذه اللحظات ضروري و دليل على براءتنا من عدم وصوله. وأضاف الفريق إلى ان الطرح المؤيد لانتخاب عون سوف يطيح بالابراء المستحيل إلى الأبد. وأثناء النقاشات حول هذا الخيار الشائك والشيطاني كان البعض متحمسا على إعتبار أن المشكل المنتظر سينفجر آجلا ام عاجلا مع حليف عون حزب الله، خصوصا إذا تلكأ الأخير عن مساندته ودعمه بعدما وصلت اللقمة إلى الفم. أصحاب هذه النظرية أضافوا بأن المساعي الحميدة للحزب سوف تصطدم بالحليف الآخر نبيه بري. وبأن هذا الأخير لم ولن يوافق على عون رئيسا مهما كانت الظروف. ضمن هذه الافخاخ المنصوبة سلفا انطلقت المبادرة التي ولدت مبتورة كسابقاتها. ولامساك المجد المسيحي من طرفيه زار الحريري بنشعي شارحا للوزير فرنجية الأهداف الحقيقية المبيتة لهذا الترشيح. وعرج على معراب في زيارة لم الشمل بعدما صدق الحكيم بأن حليفه الآذاري عاد إلى قواعده .

إذا اللعبة المحلية بلغت المدى الأوسع ولم تصل إلى خراج قصر بعبدا. فعاد اللاعبون المحليون إلى رشدهم بعدما فشلوا في لبننة الاستحقاق وسرقته في غفلة من الإنشغالات الإقليمية والدولية لكن هذا الطموح المتمادي اصطدم بالصراع الإقليمي الرهيب. ففي اليمن حرب مذهبية تسمع بوضوح في الضاحية وبيروت. أما في حلب فإن فوهات الكروز مصوبة إلى مناطق النظام وتنتظرها منظومة 300 المتطورة دفاعا عن مناطق النظام. وفي العراق دخول واجتياح تركي خلافا للطبيعة وللمواثيق الدولية. استنفار وحروب لن تعرف طبيعتها ولا أهدافها إلا فور الإنتهاء من جحيمها. والخشية الكبرى هي في إنتشار الصواريخ الروسية في أوروبا الشرقية وبعضها محملا برؤوس نووية. وضمن هذا الإيقاع المتفجر إقليميا ودوليا يحاول البعض تمرير الاستحقاق الرئاسي خلسة بعيدا عن العيون الإقليمية والدولية المتلصصة. لكن أمنيات «الفرقة العاشرة» في الرابية قد خابت ومثلها أحبط فريق بيت الوسط. والجميع عادوا إلى الإنتظار وسط قرقعة السلاح في المنطقة وكلهم امل ان يخرج الدخان الأبيض حاملا السلام من المدخنة في لندن يوم السبت. والبعض يقول: انه الإجتماع الأخير قبل أن...