على الرغم من مرور قرابة شهر على العملية النوعية التي نفذتها "قوات النخبة" من مديرية المخابرات في الجيش اللبناني في "حيّ الطوارئ" واعتقال امير تنظيم "داعش" عماد ياسين، الا ان تداعياتها على الساحة الفلسطينية الداخلية ما زالت تتوالى فصولا، اذ اعادت خلط الاوراق في عين الحلوة حيث انخرطت "القوى الاسلامية" بتقييم الموقف وسط عتب واضح لم يخلُ من قرارات حاسمة.
آخر فصول تداعيات اعتقال ياسين، خروج "عصبة الانصار الاسلامية" عن صمتها، حيث أبلغت القوى الفلسطينية وتحديدًا حركة "فتح"، انها قررت "الاعتكاف" عن الخروج من مخيم عين الحلوة للمشاركة في أيّ من الاجتماعات الفلسطينية الموحدة او اللقاءات اللبنانية المشتركة، ولأيّ سبب كان، في اشارة واضحة الى استيائها الشديد من القوى التي لم تقف على خاطرها في تداعيات استيعاب ردة الفعل لعملية اعتقال ياسين، حيث وجدت نفسها وحيدة بين فكّي كماشة، بين مطالبتها فلسطينيا ولبنانيا بالعمل على امتصاص ومنع أيّ ردّة فعل من الناشطين الإسلاميين حتى لا تتدهور الامور الى الاسوأ وتسير نحو المجهول وإتهامها داخليا بـ"الموافقة" الضمنية على تنفيذ العملية.
وأوضحت مصادر اسلامية لـ"النشرة" ان مسؤول "عصبة الانصار الاسلامية" الشيخ ابو طارق السعدي صارح من التقاهم من ممثلي القوى الفلسطينية بالعتب الشديد على الصمت ازاء هذا التطور الامني المتمثل باعتقال ياسين، حيث لم يتصل اي من المسؤولين الفلسطينيين للتوافق على كيفية امتصاص ردة الفعل في منطقة الطوارئ وسواها، وكأن المسؤولية القيت على عاتق "القوى الاسلامية" وتحديدا "عصبة الانصار الاسلامية" و"الحركة الاسلامية المجاهدة" بامرة الشيخ جمال خطاب فقط دون سواهما، وفي اعقابها بدأت "القوى الاسلامية" في مرحلة اعادة حساباتها مع شعورها المتزايد ان رصيدها الشعبي بدأ يتراجع امام قاعدتها الشعبية الداخلية، وان انفتاحها على الخارج وخاصة في ما يتعلق بالشق الامني، لم يحقق لها الهدف المنشود من التعاون والتنسيق لقطع الطريق على اي اقتتال او فتنة في ظل المحاولات الجارية لجر المخيمات الى أتون الصراع او استغلالها في تحقيق اهداف أمنية لأجندة غير فلسطينية.
ومع قرار "الاعتكاف"، بدأت محاولات حثيثة لاقناع "القوى الاسلامية" و"العصبة" بالعدول عن قرارها، الا انها لم تفلح وقد وافقت بعد جهد على الحفاظ على العمل المشترك داخل المخيم جغرافيًا للحفاظ على أمنه وإستقراره والجوار اللبناني، ومنع اي توتير او استغلال لموقفها في حال قررت المقاطعة كليا، في ظل توقعات ان يشهد المخيم المزيد من الاحداث الامنية المتنقلة، اذ يشكل الاجماع الفلسطيني عادة مظلة حماية سياسية للامن، والاختلاف فرصة للاستغلال الامني.
ورصدت المصادر محاولتي تهدئة وترطيب اجواء، دون جدوى، الاولى قام بها ممثل "حركة الجهاد الاسلامي" في لبنان الحاج ابو عماد الرفاعي، والثاني وفد قيادي ضم قائد الامن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي ابو عرب ونائبه قائد القوة الامنية المشتركة اللواء منير المقدح وقائد القوة الامنية في منطقة صيدا العميد خالد الشايب، حيث بقي القرار متخذا حتى اشعار اخر، فيما الحديث يجري عن دخول حركة "حماس" ورجل دين لبناني على الخط لم تتضح نتائج اتصالاتهما بعد.
استئناف المهام
بمقابل قرار "القوى الاسلامية"، قرر منير المقدح استئناف مهامه مجددا بعد مرحلة من "الاعتكاف الضمني" في اعقاب مطالبته باعادة هيكلة "القوة الامنية"، بعد سلسلة من الاحداث الامنية المتنقلة في مخيم عين الحلوة وعمليات الاغتيال الاخيرة، بحيث تكون قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة وخاصة ما يتعلق بإعتقال المشبوهين والتحقيق معهم ومحاسبتهم منعا لاي احداث جديدة قد تؤرق أمن المخيم بين الحين والاخر.
وقالت مصادر "فتحاوية"، ان اللواء المقدح قرر الانتقال الى بيروت لممارسة مهامه كقائد للقوة الامنية لكل لبنان وعدم حصر مهامه في منطقة صيدا، وقد اتخذ مقرا له في مخيم مار الياس في قلب العاصمة بدلا من عين الحلوة ويجري العمل على تجهيزه بكل ما يتطلب، على ان يتولى العميد خالد الشايب مهام القوة الامنية في منطقة صيدا وفق الاتفاق والصفة التي يتمتع بها.
ووفق المصادر، فان المقدح سيولي اهتمامه الامني لمخيمي "شاتيلا"، حيث تدور حرب بلا هوادة مع تجار المخدرات، و"برج البراجنة" لتحصينه من اي فتنة مع الجوار، قبل ان ينتقل الى "البداوي" شمالا في اطار خطة متكاملة لتعميم تجربة القوة الامنية المشتركة على كافة المخيمات.
وكانت تحديات كبيرة تدور حول استمرار عمل "القوة الامنية الفلسطينية المشتركة"، وقد روج البعض الى امكانيّة حلها والتخلص من نفقاتها المالية واستبدال عناصرها "الفتحاويين" بوحدة خاصة، غير انها ما زالت بنظر القوى اللبنانية السياسية والامنية حاجة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، لأنّ مجرد وجودها يمنح ابناء المخيم الاطمئنان كما الجوار اللبناني، وتشكل ملتقى لكل القوى الفلسطينية الوطنية والاسلامية بغض النظر عن انتقاد دورها وتقصيرها.