بغضّ النظر عن الفترة الزمنيّة التي ستستغرقها عمليّة إستعادة مدينة المُوصل من قبضة مُسلّحي تنظيم "داعش" الإرهابي، فإنّ المعركة محسومة، وستنتهي بشكل إيجابي لصالح الحُكم العراقي والقوى الداعمة له. لكنّ هذا التغيير الميداني المُهمّ سيترك آثارًا وتداعيات كبيرة مليئة بالمخاطر على أكثر من دولة ومنطقة. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:
أوّلاً: بهدف تخفيف حجم الخسائر البشريّة والمادية لإستعادة المُوصل، سيتمّ تسهيل إنسحاب إرهابيّي داعش من المدينة بشكل مُتعمّد. وهذا الأمر سيُؤدّي تلقائيًا إلى فرار عدد كبير من هؤلاء المُسلّحين إلى داخل مناطق سورية تقع تحت سيطرة "داعش"، علمًا أنّ الجيش السوري لا يُسيطر على كامل المنطقة الحدودية مع العراق حتى يكون قادرًا على تنفيذ وعيده بضرب أيّ مُتسلّل عبر الحدود. ولا شك أنّ دخول آلاف المُقاتلين الجُدد إلى سوريا سيكون بمثابة صبّ المزيد من الزيت على النار المُشتعلة أساسًا بقوّة هناك.
ثانيًا: ستؤدّي خسارة مدينة المُوصل إلى فرار آلاف المُسلّحين المُصنّفين تحت خانة "الإرهابيّين"، من المُوصل والقرى والبلدات المحيطة، إلى مناطق مختلفة في العالم، لا سيّما إلى الدول التي لا تزال تستقبل اللاجئين، إن الذين يدخلون إلى أراضيها بشكل شرعي أو غير شرعي. ومن اليوم، بدأت بعض الدول الأوروبيّة تتخذ إجراءات حماية مُعزّزة خوفًا من عودة العديد من "الإرهابيّين" إلى دولهم تمهيدًا للقيام بعمليّة إرهابيّة جديدة في العمق الأوروبي.
ثالثًا: من المُتوقّع أن تُؤدّي المعركة في المُوصل إلى موجة جديدة من اللاجئين، حيث أنّ الكثير من المدنيّين يخشى التعرّض لعمليّات إنتقاميّة أو لإعتداءات من بعض الجهات المُشاركة في الهجوم الرامي إلى إستعادة المدينة. وهؤلاء لن يتردّدوا في الفرار إلى أيّ وجهة مُتاحة لهم، علمًا أنّ أحدًا في العالم لم يعد يرغب باستقبال أيّ لاجئ جديد، لا من سوريا ولا من العراق، ما سيزيد من تعقيد الأمور ومن وتيرة وفوضى الهجرة غير الشرعيّة، مع كل ما تتركه من إنعكاسات سلبيّة.
رابعًا: تُوجد خشية كبيرة من زيادة الإحتقان المذهبي في المنطقة، باعتبار أنّ مدينة المُوصل التي هي ثاني أكبر مدينة في العراق من حيث عدد السُكان(1)، تُعتبر من أبرز المدن السنّية، ما يجعل إشتراك ميليشيات شيعيّة الهوى(2)في المعركة أمرًا خطيرًا على الوحدة العراقيّة الهشّة جدًا، ويفتح الباب أكثر فأكثر أمام زيادة الإنقسام الديمغرافي بخلفيّات طائفيّة ومذهبيّة وعرقيّة.
خامسًا: الهزيمة المتوقّعة لمسلّحي تنظيم "داعش" الإرهابي في مدينة المُوصل والمنطقة المحيطة، ستتسبّب بفراغ جغرافي كبير، سيسعى أكثر من طرف لتعبئته بالقوّة المُسلّحة، وإضافة إلى الحكومة العراقية المركزيّة، تطمح الجماعات الكرديّة المُسلّحة لتوسيع رقعة سيطرتها في محافظة نينوي، في حين ترغب الحكومة العراقية بتوسيع دائرة خطوطها الدفاعيّة الأماميّة إلى العمق العراقي. وكل ما سبق يجعل من خطر تداخل القوى المُسلّحة المختلفة، مشروع مواجهات عسكريّة مُحتملة في المُستقبل.
في الخلاصة، لا شكّ أنّ دور "الفزّاعة" التي جرى توظيف إرهابيّي "داعش" لأدائه بنجاح، يشهد تراجعًا ثابتًا ولو بوتيرة بطيئة. لكنّ تقليص المساحات الجغرافيّة التي يُسيطر عليها هذا التنظيم "الإرهابي"، لا تحلّ مشاكل المنطقة الطائفيّة والمذهبيّة والعرقيّة والسياسيّة والأمنيّة والإقتصاديّة، بل تُسلّط الضوء عليها بعد إزاحة وجه "داعش" الزائف عنها!
(1)يسكنها نحو مليوني نسمة نظريًا لأنّ الكثير من سكانها كانوا قد فرّوا منها في السنوات والأشهر القليلة الماضية.
(2)"الحشد الشعبي" المدعوم من الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.