خلطت معركة الموصل الكبرى ضد "داعش"، الأوراق في منطقة الشرق الأوسط برمّتها، خصوصاً بتزامنها مع قرب الانتخابات الأميركية، حيث يحتاج الحزب الديمقراطي والإدارة الأميركية إلى هذا الانتصار ضد "داعش" في الموصل، لصرفه في الانتخابات لصالح المرشحة هيلاري كلينتون.
وبينما ينهمك الجيش العراقي ومن معه من قوى عراقية، وبدعم جوي من قوات التحالف الدولي، في المعركة ضد "داعش"، تتجه الأمور في حلب إلى تسوية ما، تطبيقاً لمبادرة دي ميستورا التي أطلقها مؤخراً، عارضاً خلالها انسحاب مسلحي "جبهة النصرة" من حلب، على أن يقوم الروس والجيش السوري بوقف إطلاق النار، والسماح للمساعدات الإنسانية بالدخول.
وبتزامن هذين الحدثين الكبيرين في كل من سوريا والعراق، تبرز على الساحة السورية مخاطر جديدة، يتلخص أبرزها في ما يلي:
1- خروج "داعش" من العراق إلى سوريا، وهو ما أبرزته التقارير التي ذكرت أن "داعش" سحب قادته الهامِّين من الموصل إلى الرقة، كما قالت مصادر الحشد الشعبي العراقي إن أرتالاً كبيرة من عربات لـ"داعش"انسحبت إلى الأراضي السورية تحت أعيُن طائرات التحالف الدولي.
وفي حال ثبتت التقارير تلك، فإن ذلك يعني أن "داعش" ستُستخدم في استنزاف الروس والجيش والسوري وحلفائه في معارك مقبلة، أو أنها ستكون ذريعة للأكراد أو الأتراك للسيطرة على مناطق سورية جديدة، بعد شنّهم الهجمات عليها لتحريرها من "داعش".
2- الاتجاه العملياتي للجيش التركي والمجموعات المسلحة التابعة له، تحت ستار ما يسمى "درع الفرات"، يشير إلى أن الأتراك يتوجهون لاحتلال كل من مدينة الباب ومنبج ثم الوصول إلى الرقة لتحريرها من "داعش"، بينما كانت الولايات المتحدة قد منعت الأكراد من التوجُّه إليها لتحريرها في وقت سابق. إن حصل هذا الأمر، فهذا يعني أن أردوغان، ومن خلال "مكافحة الإرهاب وطرد داعش" سيحقق المنطقة الآمنة التي لطالما طالب بها في وقت سابق ولم يَسِرْ بها حلفاؤه الأميركيون والأوروبيون، كما يكون قد منع الأكراد من تحقيق الكونتون الموعود، والذي يهدد الأمن القومي التركي في الصميم.
3-العمليات العسكرية التي قام بها التحالف الدولي في دير الزور، و"الخطأ" الذي حصل باستهداف الجيش السوري، ثم تقطيع أوصال دير الزور بتدمير الجسور، كلها معطيات قد تشير إلى رغبة أميركية بمنع الجيش السوري من تحرير دير الزور وتعزيز وجوده في الشرق السوري، وليس مستبعَداً أن يقوم الأكراد فيما بعد بحملة للقضاء على وجود "داعش" وتحرير مناطق الشرق السوري، ثم محاولة السيطرة على الحسكة ودير الزور، ومحاولة طرد الجيش السوري منها بعد طرد "داعش".
إن صحّت هذه الاستنتاجات، يكون تسهيل خروج "داعش" من الموصل إلى سوريا يندرج ضمن إطار خطة مُحْكمة، على أن يُستفاد من وجود "داعش" في سوريا فيما بعد لاقتطاع الشرق والشمال الشرقي السوري من الخريطة السورية، والسيطرة عليه عسكرياً بعد "تحريره"، وإقامة قواعد أميركية عسكرية فيه، فيسيطر الأكراد على جزء منه، بينما تسيطر تركيا ومجموعاتها المسلّحة على المناطق المحاذية لحدودها في الشمال السوري، وبذلك ينّقطع الاتصال الجغرافي بين كل من إيران ولبنان عبر العراق وسوريا، فيضيق الخناق على المقاومة في لبنان، وتحجَّم قدرتها على استيراد السلاح(لأن الموانئ محكومة بالقرار 1701، والبحر مراقَب من قبَل اليونيفيل)، كما يُحرم الإيرانيون من امتيازات اقتصادية ونفطية بعدم قدرتهم على تنفيذ العقود الموقَّعة بينهم وبين العراق وسوريا، والتي كانت تهدف إلى مدّ أنابيب الغاز من إيران إلى السواحل السورية عبر العراق (محافظة ديالى)، لبيعها في الأسواق الأوروبية.
من هنا، فإن ما يحصل في سوريا الآن، ولو كان يشي بتقدُّم للجيش السوري ميدانياً، إلا أن المستقبل محفوف بالأخطار، خصوصاً لناحية التدخُّل التركي العسكري،إذ قد تتقاطع مصالح السوريين مع الأتراك على المدى القصير في عملية "درع الفرات"، فهي ستمنع الأكراد من تحقيق الكونتون الكردي على حساب السيادة السورية، كما تسحب جزءاً من المجموعات المسلَّحة من المعركة ضد الجيش السوري وتوجُّههم للقتال ضد "داعش"، وفي هذا استفادة للجيش السوري في عملياته في حلب، لكن قد يسبب هذا التدخُّل أخطاراً على المدى الطويل، فسكوت الدولة السورية عن التقدُّم التركي في الأراضي السورية أمر مستغرَب، فما هي الضمانات التي ستُخرج الأتراك من سوريا، وها هو أردوغان يتحدى الدولة المركزية العراقية ويرفض الانسحاب من بعشيقة؟