بلغ العدوان الاستعماري – التكفيري – الرجعي – الصهيوني ذروته على سوريا والعراق واليمن، حيث فاق عدد المرتزقة التكفيريين الأجانب الذين استُجلبوا من كل أنحاء الدنيا لمحاربة الدولة الوطنية السورية منذ بداية الأزمة حتى مطلع شهر أيلول الماضي أكثر من 400 ألف مرتزق، ومثل هذا العدد في العراق، والتحالف مع "القاعدة" في اليمن، بالإضافة إلى ارتكاب المجازر الكبرى التي ليس لها مثيل إلا في الحروب الاستعمارية الكبرى، على نحو ما حصل في القارة الأميركية حينما غزاها الأوروبيون البيض، ونشير هنا على سبيل التذكير ليس إلا، إلى مجازر طيران تحالف بائع الكاز في الأسواق الشعبية في عدد من المحافظات اليمنية، وآخر هذه الجرائم في الصالة الكبرى في صنعاء، ناهيك عن استهداف المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس ورياض الأطفال، بشكل يذكّرنا بمجازر العدو "الإسرائيلي" في جريمته في مدرسة بحر البقر في مصر عام 1969، ومجازر دير ياسين وكفر قاسم في فلسطين المحتلة وحولا وقانا في لبنان، لا بل قد تكون جرائم العدوان السعودي تفوق وحشية جرائم العدوان الصهيوني، وهدفها تصوير هذا العدو على أنه أكثر رحمة من العرب والمسلمين.
المهم، أن هذا العدوان الاستعماري – التكفيري – الرجعي – الصهيوني بلغ ذروته، والتهديد بالبوارج والمدمرات والصواريخ الأميركية العابرة للقارات وصل مداه، مترافقاً مع أحاديث واسعة عن هجمات بريه تستهدف الدولة الوطنية السورية من الجنوب والشمال، لكنه كما وُصف لم يكن إلا حرب أعصاب لم تهزّ سوريا وحلفاءها.
في الجنوب، عاد الحديث مؤخراً عن اختراق الحدود السورية الجنوبية، جراء حشود عسكرية في الأردن مزودة بأحدث الأسلحة والصواريخ والطائرات، تمهيداً للوصول إلى دمشق، علماً أن المملكة الأردنية في قلب العاصفة، ولن تنجو من تداعيات الخريف السعودي الذي سيعصف في كيانها، خصوصاً أن تحضيرها كوطن بديل للفلسطينيين قطع شوطاً في الاتفاقيات السرية بين آل سعود وتل أبيب، فهل ينتبّه ملك الأردن الذي وفّر مكاناً آمناً له ولعائلته لقضاء فترة تقاعده عن العمل؟
سوريا وحلفاؤها بأي حال متيقظون لذلك، ولهذا وُجّهت ضربات استباقية واضحة أكّدت انكشاف هذا المشروع والاستعداد لمواجهته.
أما في الشمال، فيحاول الطوراني والسلجوقي رجب طيب أردوغان أن يسابق التطورات، سواء من خلاله وجود قواته العسكرية في معسكر بعشيقة في الموصل، أم من خلال تدخُّله العسكري في عدد من المناطق في الشمال السوري بذريعة مقاتلة "داعش"، التي توفّرت لها كل الإمكانيات البشرية والمادية والقتالية من خلال تركيا، وهنا يلاحَظ أن ما يسمى "الجيش الحر" الذي نُفض الغبار عنه وأعيد إحياؤه احتل بدعم تركي مباشر "دابق" - وهي بالمناسبة مرج دابق نفسها - دون أي قتال مع "داعش"، حيث انسحب عناصره إلى الداخل التركي أو إلى الرقة، وهو ما يطرح عشرات علامات الاستفهام حول حقيقة موقف أردوغان من التنظيم التكفيري.
حلفاء أعداء دمشق بدأت معاناته تتسع مع الصمود الأسطوري للدولة الوطنية السورية، بالإضافة إلى صمود حلفائها في العراق واليمن، وهو ما يرشح أن تتوسع إليه حلقات هذا التحالف، عربياً وإسلامياً ودولياً.
ففي العراق، بدأت معركة تحرير الموصل، رغم كل ما حاولت السعودية وتركيا والولايات المتحدة والغرب إثارته من نعرات طائفية ومذهبية، وكم كان معبّراً ذلك المشهد لسيروان البارزاني نجل مسعود البرزاني، وهو يمشي على البساط الأحمر في مهرجان "كان" السينمائي في 21 أيار الماضي احتفاءً بفيلم "البشمركة"، وإلى جانبه المخرّب الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي، وربما هنا نفهم موقف الدمية الفرنسية فرنسوا هولاند بضرورة مشاركة "القوات الكردية" في معركة الموصل.
أما سعودياً، فإن الأرقام المالية عن تدهور الأوضاع في بلاد نجد والحجاز، فعلاً تثير هلع المستثمرين ورجال الأعمال، الذين بدأوا يفتشون عن فرص خارج مملكة الرمال، حيث تشير الأرقام إلى أنه منذ انطلاق ما يسمى "عاصفة الحزم" على اليمن في 26 آذار 2015، وصلت الكلفة إلى أكثر من 725 مليار دولار أميركي، أي ما يوازي تقريباً الأرصدة السعودية في المصارف الأميركية، في وقت بدأت هذه الحرب تنعكس على داخل المملكة بوقف كل مشاريع الدعم والتنمية، ولعل أبرزها هنا توقف إنشاء قطار الحرمين الشريفين بين مكة المكرمة والمدينة المنورة مروراً بجدة، بعد أن كان مقرراً إنهاؤه في مطلع العام الجاري.
حلقة أصدقاء دمشق مرشحة للتوسع وفقاً لسير التطورات، وقد يكون أبرزها التطور البارز في الموقف المصري، خصوصاً من التطورات العراقية، إذ كان لافتاً الاتصال الهاتفي من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، معلناً موقفه الداعم والمؤيد للعراق في معركة الموصل، ومؤكداً دعمه سيادة ووحدة العراق على كامل أراضيه.
وكانت القاهرة قد استقبلت موفداً سورياً مرموقاً هو رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي المملوك، فكان الاتفاق واضحاً أن أمن سوريا من أمن مصر، والعكس أيضاً صحيح، وفيه عُلم أن من الاتفاقات الهامة التي نتجت عن هذه الزيارة هو العمل لعدم استمرار هيمنة مجلس التعاون الخليجي على مجلس جامعة الدول العربية، كما اتُّفق على رفع التمثيل الدبلوماسي بين دمشق والقاهرة، وعلى زيادة تعزيز التعاون الأمني بين البلدين.. فلنتابع نتائج هذه الزيارة التي تؤشر إلى مستقبل مختلف، قوامه عودة قوس القزح بين دمشق والقاهرة، ليرسم معالم جديدة في مسيرة العرب.