الكل ينتظر من الرئيس سعد الحريري أن "يبقَّ البحصة"، وأن ينطق بكلمة "صولد" على طاولة تشهد "لعبة قمار" هو الخاسر الأكبر فيها، بمجرد أن يعلن دعمه ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ويبدو أن الكل "مرتاح على وضعه" باستثناء الحريري، الذي رموا على أكتافه ما ليس له قدرة عليه، خصوصاً بعد أن استبق الرئيس بري أي إعلان عن تحالف بين عون والحريري، بأنه "موجه ضد الوحدة الشيعية، وهذا ما لن نسمح به، وسنكون في صفوف المعارضة".

والنائب سليمان فرنجية الذي غرّد على تويتر بلعبة سيارة برتقالية على الريموت كونترول، يتحكّم بها ويتعمّد صدمها بالجدران.. أرادها ربما رسالة إلى الزعيم "البرتقالي" وجمهوره، رغم أن فرنجية أخطأ عندما ظنّ أن طائرة إمبراطور النفط جيلبير شاغوري ستوصله إلى بعبدا، فغرق في الرهان وأغرق معه الرئيس الحريري في بحيرة بنشعي، وأحرج أيضاً الرئيس بري، الذي لن يستطيع السير به مرشحاً حتى النهاية.

وإذا كانت تغريدة "سيارة فرنجية" قد جاءت نكتة غير مستساغة لدى البعض، فإن تغريدة النائب وليد جنبلاط بقوله عبر تويتر "أتت كلمة السر يبدو، الله يستر.."، هي أيضاً غير موفَّقة، لأن الناس لم يعد لديها الجَلَد على التبصير، خصوصاً أن "رادار" وليد بك لم يعد "شغالاً" كما في السابق، وليس في جعبته من معلومات أكثر مما يملك أي متابع للتطورات التي تحكم الوضع اللبناني، سيما أن جنبلاط كان أول من نعى الحالة التي وصل إليها الرئيس الحريري، سواء في العلاقة مع السعودية، أو مع الحلفاء والخصوم في الداخل اللبناني.

إضافة إلى ذلك، فإن الأمور داخل "تيار المستقبل" بلغت حدود الفلتان، والرئيس السنيورة استبق قرار الحريري بدعم عون وقال: "سنونوة واحدة لا تصنع الربيع"، بينما جاء تعليق النائب أحمد فتفت واضحاً بسلبيّته تجاه عون، وقال ما معناه إن خطاب ذكرى 13 تشرين المعتدل اللهجة لدى الجنرال، كان يجب أن يحصل منذ سنوات.. والاعتدال حالياً لم يعد مفيداً.

قد تكون الجزئية التي تناول فيها السيد حسن نصرالله الموضوع الرئاسي، في كلمته بذكرى عاشوراء، هي الأكثر مصداقية وواقعية، حيث أكّد سماحته ثوابت حزب الله وإصراره على دعم العماد عون دون سواه، لكن السيد ربط المسألة بالتفاهمات مع الفرقاء الآخرين، فاعتبر البعض أن "سلة عين التينة" هي أبرز التفاهمات المطلوبة لإيصال العماد عون إلى بعبدا، وتناسوا ربما أن مفتاح بعبدا انتخابياً هو بيد الرئيس الحريري، ومفتاح "سراي الحريري" في الضاحية، ويجب على الحريري الحضور شخصياً إلى الضاحية ليتسلّم "علّاقة المفاتيح" كاملة، والدخول إلى الضاحية له ثمن سياسي لا يستطيع الحريري دفعه، لأنه سيكون على حساب ما بقي له من هيبة على نواب "تيار المستقبل"، وعلى من بقي له من مناصرين في الشارع السُّني، خصوصاً في "عكار المرعبي والضاهر"، أو "طرابلس أشرف ريفي"، التي رفعت يافطات معارضة لوصول عون أقل ما يقال فيها إنها مُشينة.

وبما أن "طبخة البحص" الرئاسية قد نضجت، لأن لبنان دخل مرحلة المهلة الدستورية للانتخابات النيابية الواقعة حتماً في الربيع المقبل، ما يعني اعتبار الحكومة الحالية مستقيلة، والحاجة ضرورية لانتخاب رئيس لإجراء استشارات وتكليف رئيس لتشكيل حكومة، فإن التفاؤل يسود أجواء الرابية، والعماد عون سبق له أن تبلّغ قرار الحريري بدعم ترشيحه، وما ينتظره الجنرال هو الإعلان الرسمي عن هذا القرار، ويترك الإخراج المناسب لرئيس "المستقبل"، وفق ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين، لكن هذه الأمور جميعها حصلت قبل التصريح الحاسم للرئيس بري، والذي لا يميل لتأييد العماد عون، ولو أنه أيضاً سيتخلى عن فرنجية.

وإذا كان أحد السيناريوهات المطروحة لتأييد عون، أن يقوم الجنرال بزيارة عين التينة وسائر القوى المُعارِضة لترشيحه، فإن الوقت الذي يفصلنا عن 31 تشرين الأول الأول بات ضيِّقاً، وسفر الرئيس بري إلى أوروبا واحتمال عودته قبل يومين من موعد جلسة الانتخاب، يؤكدِّ أن لا مجال لإحياء تفاهمات بهذه السرعة، وأي خيار سيتَّخذه الرئيس الحريري سيكون خاسراً، خصوصاً إذا اختار تسمية العماد عون للرئاسة بهدف وصوله هو إلى السراي، لتبدأ العرقلة التي ستشهدها التشكيلة الحكومية التي ستواكب عهداً بدأ بزواج الإكراه وتمَّت مباركته بـ"آيات" من "الإبراء المستحيل"، وتُعلَن خلاله براءة علي بابا والأربعين حرامي، في دولة لن يجد فيها ميشال عون الكثير من الأوادم.