بعد حوالي عشرين شهراً، عجزت السعودية وحلفاؤها العلنيون والسريون عن حسم حرب اليمن، وعصفت مغامرتها بالداخل والمستقبل السعودي، ولم تنجز في اليمن أي انتصار ملموس سوى تدمير البنى التحتية والإرث الحضاري، وقتل المدنيين وآخرهم مجزرة صالة العزاء التي تبشّر بقرب نهاية الحرب، وكذلك نهاية العائلة المالكة المتهاوية والفاشلة في كل معاركها التي أشعلتها في العالم العربي ولم تنجز خلالها سوى القتل والخراب.
تحصي أميركا خسائرها الميدانية نتيجة فشل السعودي وحلفائه في العالم العربي، وتحصي أيضاً ما ربحته من مليارت الدولارات بصفقات السلاح وبدل الاستشارات، وكذلك من تخفيض أسعار النفط، لكنها وصلت إلى مرحلة مفصلية وستحاول قلب الصورة لتنفيذ معادلة جديدة تقوم على مصادرة المال السعودي عبر قانون "جاستا"، أو على الأقل تجميده والتصرُّف بها إلى أجل غير مسمى بالتزامن مع إنهاء المرحلة "السلمانية" في المملكة، وصناعة نظام حكم ملكي جديد لإقامة الدولة السعودية الرابعة، وإن اقتضى الحال الدولة السعودية الخامسة تقوم على العلاقة المباشرة والعلنية مع العدو "الإسرائيلي"؛ كما هو الحال مع الأردن وبعض دول الخليج، وفك القيود الدينية والاجتماعية عن الشعب السعودي، للانسجام مع إمارات الخليج التي تتبنى "الانفتاح".
بعد مجزرة صنعاء والصمود الاستثنائي للجيش اليمني واللجان الشعبية على المستوى العسكري، والصمود الشعبي على مستوى الرأي العام، وبعدما تحسّست أميركا قدرة "أنصار الله" وحلفائه من إمكانية إغلاق باب المندب بالنار أو بالوجود العسكري، والتحكُّم بالملاحة الدولية، وبعد فشل أدواتها المتعددة، سواء السعودية والإمارات أو "القاعدة" و"داعش" و"إخوان اليمن" والمرتزفة والأتباع من أنصار عبد ربه منصور، من الانتصار، وبعدما استنفدت كل ما يمكن من أدوات وقفازات، ورأت أن اليمن سينجو من قبضتها ويعود إلى أهله، سارعت إلى "التحرُّش" بـ"أنصار الله" (الحوثيين) واتهمتهم بضرب بوارجها، بالرغم من نفي "أنصار الله" والجيش لذلك، لكنها أعادت الكرة ثانية، وذلك لتبرير التدخُّل في اليمن، وإنزال قواتها تحت عنوان تحالف دولي جديد أو قوات دولية، وذلك للأسباب الآتية:
1- لا يمكن أن تتخلى أميركا عن مضيق باب المندب، لأهميته الاستراتيجية والاقتصادية، وتركه بيَد محور المقاومة وروسيا، وهو أحد المضائق الاستراتيجية الأربعة.
2- إن سيطرة الجيش و"أنصار الله" على باب المندب يهدد الأمن "الإسرائيلي"، ويسلبه نتائج وثمار معاهدات السلام مع مصر والأردن، ويهدد مرفأ "إيلات" ومشاريعه المائية والتجارية، ويطيح بنظرية الزعيم الإسرائيلي بن غوريون، الذي أكد على وجوب السيطرة على البحر الأحمر للانفتاح على إفريقيا والتملُّص من أي حصار يفرضه العرب.
3- الجبهة اليمنية صارت في نظر الأميركيين والصهاينة إحدى جبهات المقاومة الإقليمية ضد "إسرائيل"، وفق منظومة عولمة المقاومة والتوأمة بين المقاومة اللبنانية واليمنية، الأمر الذي يُنهك "إسرائيل" ويخفف الضغط عن جبهة جنوب لبنان في أي حرب مقبلة، ويُلزم العدو "الإسرائيلي" بتشتيت قواته والقتال على جبهات متعددة (لبنان والجولان واليمن)، مما يريح المقاومة الفلسطينية عن القتال في غزة أو الضفة أطول فترة ممكنة.
4- المحاولة الأميركية للحدّ من حالة التصحُّر التي أصابت النفوذ الأميركي في المنطقة، والكسب الروسي المتزايد والمتسارع على مستوى الإقليم، والمشهد الدولي الذي استفاد من صمود محور المقاومة بعد أكثر من خمس سنوات، والتي تردد في بداياتها من تقديم الدعم بسبب الخوف، بالإضافة إلى العامل النفسي الذي تحكَّم بالروس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بعدم القدرة على المنافسة مع أميركا.
لكن السؤال: هل تستطيع أميركا التدخُّل الآن في مرحلة تقطيع الوقت في الانتخابات الرئاسية؟ وهل يتمكّن أوباما من إلزام الرئيس الجديد بحرب خارج الحدود وتحميله مسؤولية إدارتها؟ هل تتحمّل أميركا غزواً جديداً سيكون فاشلاً حتماً بسبب الصمود اليمني والاتكال على الله سبحانه وتعالى؟
الظاهر أن الأميركيين، وبنصيحة بريطانية، سيتّجهون لفرض وقف إطلاق نار في اليمن، لإعادة ترتيب الصفوف والتقاط الأنفاس وتسلُّم الرئيس الأميركي الجديد للحكم، إضافة إلى إثارة الفتن الداخلية في اليمن، مع بعض الاغتيالات، والعودة للاستعانة بـ"القاعدة" و"داعش"، ومن ثم الانقضاض ثانية على اليمن لاحتلاله.. لكن هل سينجحون؟
أعتقد ان النصر سيكون حليف اليمنيين الشرفاء، والهزيمة للغزاة بإذن الله سبحانه وتعالى.