قرار رئيس «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري في لبنان ترشيح رئيس تكتل الإصلاح والتغيير العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، باعتقاد الكثيرين، يشكل خطوة إلى الأمام في إزالة عقبة أساسية أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وسلوك الأزمة في لبنان طريقها إلى التسوية بين الأفرقاء السياسيين.
لكن هذا الاعتقاد، أو هذا الترشيح من قبل الرئيس الحريري، للجنرال ميشال عون لا يعني أوتوماتيكياً أن الأمور سالكة، وأن الحل أو التسوية التي تشمل انتخاب الرئيس والاتفاق على قانون جديد للانتخابات واستطراداً تشكيل الحكومة وطبيعة السياسات التي سوف تنتهجها إزاء القضايا المحلية والإقليمية، قد أنجزت، بل العكس هو الصحيح، فبعد قرار الحريري ترشيح الجنرال عون سيتم الدخول في النقاش الجدي حول ما إذا كان سيجري الذهاب إلى مجلس النواب لترجمة هذا الترشيح بانتخاب عون رسمياً من دون أن يرتبط ذلك بالاتفاق أو التفاهم على قانون جديد للانتخابات وتشكيلة الحكومة الجديدة، والسياسات التي ستتبعها في المرحلة المقبلة أم أن عملية الانتخاب سوف تنتظر اكتمال صيغة التسوية لتشمل كل هذه المسائل المهمة والحيوية والتي من دونها لا يمكن الخروج من الأزمة؟
الواضح أن الأمور لم تحسم حتى الآن في أي اتجاه سوف تسير، لكن الأمر الأكيد أن هناك تطورات جديدة تفتح أفقاً هذه المرة لإيجاد تسوية تخرج البلاد من آتون الأزمة المتفاقمة وبالتالي عدم انتظار حصول التسويات الإقليمية والدولية بشان الملفات الساخنة في العديد من دول المنطقة والعالم.
وهذا الأمر بات وفق المواقف التي رشحت عن العواصم الإقليمية والدولية وسفراء الدول الكبرى في لبنان محسوماً، فالجميع يؤكد ويشجع على أن يتفق اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا مشكلة لديهم من يكون الرئيس، الجنرال عون، أو النائب سليمان فرنجية، أو غيرهما.
لكن من وجهة نظر الكثير من المتابعين لمسار الأزمة في لبنان، فإن الأمور ليست بهذه البساطة، فالمسألة لا تحل فقط لمجرد الاتفاق على انتخاب الرئيس. فإذا لم يترافق ذلك مع الاتفاق على إحداث إصلاحات جدية تطال قانون الانتخاب ومجمل السياسات الوطنية والاقتصادية والاجتماعية، فانه من الصعب القول أن لبنان قد خرج من الأزمة.
والتزامن بين انتخاب الرئيس، أو في اعقاب انتخابه، والاتفاق على رزمة الإصلاحات الضرورية للخروج من الأزمة يحظى بتأييد واسع من الشعب اللبناني وقوى سياسية مشاركة وغير مشاركة في الحكم.
بالمقابل هناك قوى سياسية، خصوصاً من الطبقة السياسية الحاكمة، والتي تتحمل مسؤولية مباشرة عن الأزمات التي يئن منها اللبنانيون، تقف عقبة فعلية أمام انجاز أي إصلاح يؤدي إلى تجديد في بنية النظام السياسي اللبناني، يفتح الباب واسعاً لتمثيل عادل ومنصف لجميع اللبنانيين في البرلمان، واستطراداً تحقيق التداول في السلطة، وبعث الحياة في مؤسسات الرقابة والمحاسبة لمحاربة الفساد المستشري والذي ينخر كل المؤسسات في الدولة اللبنانية ويجعلها غير منتجة وقادرة على القيام بواجباتها، وتلبية خدمات المواطنين بشفافية ومهنية.
انطلاقاً مما تقدم يمكن القول أن لبنان أمام أزمة نظام وأزمة قوى سياسية مهيمنة على الحكم منذ اتفاق الطائف، وأمام إفلاس هذه القوى التي أثبتت أنها غير قادرة على حل أي أزمة من الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون، بدءاً بأزمة النفايات والكهرباء والمياه، وانتهاءً بالتصدي للفساد والفاسدين،ومحاسبتهم أمام القضاء.
يمكن القول أن لبنان أمام فرصة للتغيير، وفي نفس الوقت أمام احتمال أن تضيع هذه الفرصة، لأن الفريق الحاكم يسعى إلى الالتفاف على أي إصلاح.
وهذا يعني أن لبنان أمام أزمة عميقة لا يمكن الخروج منها من دون إصلاحات، وبالتالي يصعب إنتاج تسوية فوقية تلتف على مطالب الإصلاح، ما يؤشر إلى أن الحل ليس بمتناول اليد كما يعتقد البعض هذه الأيام. بل هناك احتمال كبير بان تتأزم الأوضاع، وتتجه البلاد إلى مزيد من التأزم بفعل صعوبة التوفيق بين أطراف الطبقة السياسية، إن كان لناحية الاتفاق على الإصلاحات، أو السياسات التي هي موضع خلاف. وما احتدام الخلاف بين الأطراف السياسية اثر قرار الحريري ترشيح عون إلا مؤشر على هذا الاتجاه الذي ستسير فيه الأزمة.
انطلاقاً مما تقدم فإنه في حال انتخاب الرئيس أو عدم انتخابه، الأزمة ستبقى مقيمة وسوف تتصاعد، ولا مخرج منها إلا بإصلاحات جدية، تلبي مطالب أغلبية اللبنانيين، على غرار ما حصل عام 1958اثر انتخاب الرئيس فؤاد شهاب وإقدامه على إدخال إصلاحات فعلية في الدولة تمثلت في إنشاء مصرف لبنان، والضمان الاجتماعي، ومجلس الخدمة المدنية، وديوان المحاسبة.. إلخ.