أصبح الطريق الى الرئاسة من جانب رئيس تكتل التغيير والاصلاح الجنرال ميشال عون مبدئيا محسوما بعد أن أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأن نواب كتلة الوفاء للمقاومة سيصوتون بالاجماع له. فالسيد نصرالله قال كلمته النهائية التي تؤكد على ما كان قد تبناه سابقا وكان موقع تشكيك من بعض الأطراف في فريق 14 آذار بمن فيهم رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
ظاهريا يبدو اختيار العماد ميشال عون أنه نتاج صناعة لبنانية محلية. لكن في الواقع ما كان هذا الإختيار ليملك واقعا على الأرض لو لم يكن هناك موافقة ايرانية وسعودية وأميركية. ولو لم يكن هناك مساندة سورية. وبالتالي فإن هذا الإختيار قد يكون مقدّمة لتسويات قادمة بين أطراف غير لبنانية بطابع اقليمي – دولي. أما الدور الفرنسي في الرئاسة فهو "تكليف أميركي" في تنفيذ التفاصيل.
في قراءة ما ذهب اليه السيد حسن نصرالله في موضوع الرئاسة الاولى يلمس المراقب السياسي بأن السيد استوحى البناء الفكري لموقفه من المعادلات التي أرساها الإمام الصدر في ظل الفتنة الأهلية التي انفجرت في العام 1975. وهذا البناء الفكري كان قد شدّد على التنازلات المتبادلة وعلى الوحدة الوطنية وعلى الحوار وعلى استبعاد الغلبة في العلاقات بين المكونات والطوائف وعلى سقوط فكرة الأحادية الطوائفية أو الثنائية الطوائفية وعلى اعتبار الدولة السقف الجامع بين اللبنانيين كون السقوف المتعددة للطوائف هي مصدر خلاف ومدخل إلى تجدّد الفتن الأهلية التي هي أقرب إلى "حالة اسرائيلية"، أي أن السيد نصرالله خاطب الجنرال ميشال عون عبر البناء الفكري للإمام السيد موسى الصدر وهو البناء الذي يسترشد به رئيس المجلس النيابي نبيه بري في حساباته الداخلية وفي علاقاته. من هنا تشديد السيد نصرالله على الأخذ في الإعتبار للهواجس الناجمة عن الترويج للثنائية بين المارونية السياسية والسنية السياسية وإن كان هو على قناعة تامة بأن اختبار علاقته بالجنرال عون لن يفضي إلى مثل هذه الثنائية خصوصا وأن التيار العوني يشدّد على فكرة المواطنية ويتبنى في الأساس فكرة العلمانية التي تسقط عمليا الطوائفية وحساباتها.
لملمة الوضع الداخلي هو الذي حكم توجهات السيد حسن نصرالله. وهذا ما يفسر قبوله بترشيح سعد الحريري لرئاسة الحكومة. ففي هذا الترشيح بحث عن شراكة مع الإعتدال السني. وهو ترشيح يفرض بالضرورة أن الطائفة الشيعية لا تقبل بديلا من بري لرئاسة المجلس النيابي سواء حصلت التفاهمات بينه وبين الجنرال عون أو لم تحصل. هذا ما يقصده السيد نصرالله وهو متيقن وعلى معرفة بأن الجنرال ميشال عون سيسعى في الأيام القادمة سواء قبل الرئاسة أو بعدها إلى "تفاهمات عميقة" مع بري الذي تجمعه بالسيد نصرالله قواسم الأيديولوجيا والسياسة والفكر بالإضافة إلى كون التوافق بين الاثنين في المعادلة الداخلية يرسو على كون "السياسة" هي من صلاحيات بري والأمن والعسكر من صلاحيات السيد نصرالله وعلى قاعدة التشاور بينهما في المجالات الثلاثة، أي أنه يخطئ من يظن بإمكانية حدوث تخريب في العلاقة بين حزب الله وأمل أو في العلاقة الشخصية المتينة بين السيد نصرالله وبري.
وحتى لا يترك السيد نصرالله أي مجال "للاجتهاد" من الآخرين فهو رسم صورة للبعدين المحلي والاقليمي في مرحلة ما بعد رئاسة الجنرال عون. فالعودة من سوريا مرهونة بهزيمة المشروع التكفيري. وهذه إشارة واضحة إلى أن لبنان هو جزء من محيطه ولا حياد في موضوع المواجهة مع داعش والنصرة وغيرها من التنظيمات المتطرفة أو مع التوجهات التوسعية التركية والسعي إلى إنشاء مناطق آمنة في العراق وسوريا.
التجاوب الواسع من التيار العوني مع طروحات السيد نصرالله واللقاء الذي تمّ بينه وبين الجنرال ميشال عون هو في مثابة رسم خريطة طريق للمرحلة الآتية. إذ يتبين أكثر فأكثر أن "ورقة التفاهمات" بين الاثنين لا زالت أمتن من أن تؤثر فيها سهام الآخرين، وأن هذه التفاهمات هدفها النهائي الوصول إلى إجماع وطني على الرئاسة وما بعدها. وحقيقة الأمر أن الجنرال ميشال عون يضع نصب عينيه توفير مثل هذا الإجماع الذي يمكن أن يوفر له معادلة الرئيس القوي والجامع... ولذا ليس من المستبعد تقريب المسافة مع رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط ومع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
* رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع