على وقع الحشود الضخمة للجيش السوري وحلفائه لحسم المعركة المصيرية في أم المعارك حلب، لما يبدو أنه قرار "لا رجعة عنه" للانتهاء من تحريرها في الوقت الضيّق الفاصل عن الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفق ما يُجمع خبراء عسكريون روس، سارعت واشنطن إلى الالتفاف على نتائج المعركة، عبر فرض خطرين داهمَين بوجه دمشق وحلفائها: إيعاز وتغطية لأنقرة بتوجيه قواتها والميليشيات التابعة لها إلى منطقة الباب الاستراتيجية شرق حلب، وتمرير خطتها بإطلاق معركة الموصل بهدف نقل أرتال تنظيم "داعش" إلى المناطق الشرقية السورية، وتكديسهم في دير الزور والرقة وتالياً الانقضاض على تدمر، في وقت نقلت مصادر صحافية روسية عن مرجع أمني روسي بارز، إشارته إلى أن موسكو لا تُسقط من حساباتها في هذه المرحلة تحديداً، أن تعمد واشنطن وبعض حلفائها إلى تسديد ضربات جوية باتجاه مواقع عسكرية في سورية، عبر الإيعاز لطائرات التحالف بتنفيذ المهمة - التي تتنصل منها واشنطن لاحقاً - لافتاً إلى أنه بات لدمشق "خطة ب" مضادة تتناسب وخطورة التهديدات المستجدّة، تستند إلى أسلحة روسية نوعية ومدمّرة، وكاشفاً أنها وموسكو أنجزتا نصب صواريخ "استراتيجية" ورادارات حديثة باتت تغطي كل محيط دمشق وريفها.
وفي وقت تراقب دمشق "الانفلاش" العسكري التركي في الداخل السوري، وسط استمرار السباق بين أنقرة و"قوات سورية الديمقراطية" للوصول إلى مدينة الباب، سيما بعد "تقلُّص" المساحة الجغرافية الفاصلة بين الجيش السوري والقوات التركية وميليشياتها، برز بيان للقيادة العامة للجيش السوري، هدد فيه بإسقاط أي طائرة تركية تخترق أجواء سورية، كما بالتعامل مع القوات التركية داخل الأراضي السورية كقوة احتلال.. سؤال استتبع هذا التهديد: هل ثمة أمر عسكري مضاد بنَتْ عليه القيادة تحذيراتها؟
بدا لافتاً بعد البيان السوري، "تمرير" خبر لوسائل الإعلام لم يكن حتماً بالصدفة في توقيته؛ "إعلان وشيك عن مقاومة شعبية عربية كردية ضد القوات التركية التي تستمر بغزو الأراضي السورية"، متوعّدة تلك القوات بالهزيمة.. خبر مُرِّر في عزّ التوسّع العسكري التركي في الداخل السوري، الذي سيُتوَّج بالخطوة الأخطر إذا ما استطاعت أنقرة الإطباق على الباب.
مصدر عسكري سوري لا ينفي خطورة نجاح أنقرة باجتياح المدينة الذي سيهدد بشكل كبير قوات الجيش السوري وحلفائه في حلب، وهو أمر تدركه دمشق جيداً، كما موسكو وطهران وقيادة حزب الله، إلا أن المصدر اكتفى بتأكيد أن مفاجآت باتت بانتظار أنقرة وواشنطن على تخوم الباب، كما على الحدود السورية - العراقية.
صحيفة "أزفيستيا" الروسية نقلت عن قائد ميداني في قوات سورية الديمقراطية، إشارته إلى فرَق عسكرية عربية كردية تمّ تجهيزها مؤخراً لمواجهة زحف ميليشيات أنقرة إلى مدينة الباب، كاشفاً أن قادة في "قسد" بادروا إلى الاتصال بقيادة الجيش السوري للتنسيق بين الجانبين ضد العدو المشترك حيال المعركة المنتظَرة للسيطرة على المدينة. الصحيفة التي لفتت إلى أن واشنطن باعت حلفاءها في تلك القوات لمصلحة تركيا، وأن زيارة وزير الدفاع الأميركي الأخيرة لأنقرة خُصِّصت للتنسيق اللوجستي والاستخباري بين الجانبين حيال ضرورة احتلال مدينة الباب، التفافاً على نصر سيكون "مزلزِلاً للأسد" وحلفائه في حلب، ما سيشكّل ضربة قاسمة لأنقرة وواشنطن وحلفائهما في المنطقة، نقلت عن القائد الميداني في "قسد" قوله "قواتنا لم يعد لها خيار سوى مؤازرة الجيش السوري بعد انكفاء واشنطن بالكامل عن مساعدتنا، وهي جيّرت كل دعمها للمحتل التركي، وجُلّ هدفها الآن إيصاله إلى مدينة الباب، وتهديد معركة دمشق المصيرية في حلب"، مختتماً كلامه بالقول: "بعيداً عن الأضواء، وضعنا كل إمكانياتنا بتصرُّف الجيش السوري، فالمعركة واحدة، كما الأهداف أيضاً".. وربطاً بالأمر، كشف موقع "يور نيوز واير" الأميركي، استناداً لما قال إنها وثائق ميدانية مؤكَّدة، تجهيز فرق عسكرية في الشمال السوري على شكل قوات مقاوَمة شعبية تضم عرباً وأكراداً، شارك بتدريبها قادة ميدانيون في الحشد الشعبي العراقي، مرجحاً أن تواجه القوات التركية والميليشيات التابعة لها كمائن خطيرة على طريق زحفها نحو مدينة الباب الاستراتيجية.
ومقابل انطلاق معركة الموصل العراقية، دأبت القوات الجوية الروسية وأقمارها الصناعية وطائرات استطلاعها للعمل "على مدار الساعة" بمراقبة الحدود السورية - العراقية، حسبما أعلنت رئاسة الأركان الروسية، موسكو تولي هذه المعركة أهمية قصوى، نظراً إلى تداعياتها الخطرة على المناطق الشرقية السورية، التي ستمثّل تهديداً جدياً للوجود العسكري الروسي في سورية.. خطر عبور أرتال "داعش" تلك الحدود لن يقتصر على مناطق الشرق السوري، فثمة إيعاز أميركي بنقل أفواج من مقاتلي التنظيم باتجاه سفوح السلسلة الشرقية للبنان، وفق تقارير صحفية وصلت إلى بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية، لم تغفل الإشارة إلى تطورات دراماتيكية ستهزّ تركيا تعقب حدثاً سورياً هاماً الشهر المقبل.