تشير كل المعطيات إلى أن الجلسة النيابية العامة التي ستعقد في 31 الشهر الجاري، أو في موعد لاحق قريب، إذا ما استدعت ذلك المشاورات والاتصالات، فسوف يتم فيها انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للبنان، وهو سيكون الرئيس الـ 13 في قائمة الرؤساء الذين تناوبوا على رئاسة الجمهورية اللبنانية منذ الاستقلال عام 1943 وحتى عام 2016. هذا إذا لم يحصل أي تطور غير منظور.
وبناء عليه لم يعد النقاش يدور حول ما إذا كان سيتم انتخاب العماد عون أم لا، فهذا الأمر بات محسوماً وفق المعطيات، وإنما بات النقاش ينصب على أربعة أمور هي:
الأمر الأول: بذل الجهود السياسية لتذليل الاعتراضات والخلافات بين العماد عون، وكل من الرئيس نبيه بري والوزير فرنجية. قبل إجراء العملية الانتحابية.
الأمر الثاني: الاتفاق على تشكيلة الحكومة التي سيرأسها النائب سعد الحريري، وتوزيع الحقائب فيها.
الأمر الثالث: مضمون البيان الوزاري، خصوصاً لناحية المسائل الداخلية المتعلقة بالسياسات الوطنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية ومحاربة الفساد..الخ.
الأمر الرابع: القضايا الإصلاحية لاسيما قانون الانتخاب.
وإذا كان من الممكن أن تذلل الخلافات بين العماد عون وكل من الرئيس بري والوزير فرنجية، إما بالاتفاق، أو بتنظيم الخلاف والذهاب إلى عملية ديمقراطية في المجلس النيابي، والتسليم بنتيجتها الآيلة إلى انتخاب عون، إلاّ أن المسائل الأخرى من تشكيلة الحكومة إلى بيانها الوزاري إلى القضايا الإصلاحية يتوقع أن تأخذ وقتاً وسوف تكون خاضعة لمفاوضات صعبة.
ولهذا فإن العماد عون يسعى إلى الفصل بين عملية انتخاب الرئيس، وبين الاتفاق على المسائل المذكورة، أي ألا يكون هناك ربط بين الأمرين، بحيث يتم انتخاب الرئيس مع الاكتفاء بالتفاهم على الخطوط العريضة لتشكيلة الحكومة وبيانها الوزاري، وترك الاتفاق على التفاصيل للمرحلة التي تلي عملية الانتخاب وخطاب والقسم والاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة.
ويبدو أن الاتجاه يميل إلى هذا السيناريو، لأن السيناريو الثاني، وهو ربط انتخاب الرئيس بالاتفاق على التفاصيل المتعلقة بتشكيل الحكومة وبيانها، قد يأخذ وقتاً طويلاً الأمر الذي قد يؤدي إلى ضياع فرصة انتخاب العماد عون وملء الشغور الحاصل في سدة الرئاسة، وبالتالي اتجاه البلاد، مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، نحو مزيد من التأزم.
من هنا فإن مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس ستكون مرحلة التفاوض الحقيقية، والتي على أساسها سوف يتحدد شكل الحكومة ومضمون بيانها الوزاري، وهي أمور ستعكس بالضرورة موازين القوى.
على أن مشاركة كتلة الرئيس بري في الحكومة ستكون هي النقطة التي ستحتاج إلى تذليل، فمن دونه لن يكون بالإمكان ولادة الحكومة، لأن حزب الله أعلن أنه لن يشارك في حكومة لا يكون فيها أو لا يوافق عليها الرئيس بري، وعند الاتفاق على كيفية مشاركة الرئيس بري سيتم البحث في صيغة ومضمون البيان الوزاري، ولن يكون من الصعب التوصل إلى تفاهم بشأنه، بعد أن يتم تذليل العقدة الأساسية، وهي تشكيلة الحكومة والأطراف المشاركة فيها، وحصص كل طرف.
غير أن هناك ما يشبه القناعة بأن التحدي الأساسي الذي سيواجه العهد الجديد سيكون قدرته على إقرار إصلاحات حقيقية في بنية النظام خصوصاً أن العماد عون قدم نفسه طوال السنوات الماضية قوة سياسية تسعى إلى تحقيق التغيير والإصلاح وإقرار قانون انتخابات على أساس التمثيل النسبي يحقق صحة وعدالة التمثيل لكل شرائح وفئات المجتمع اللبناني ومحاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
فهل سيتمكن العهد الجديد من تحقيق هذه الإصلاحات، وفي المقدمة منها إصلاح قانون الانتخابات الذي يجمع أغلبية اللبنانيين على أنه هو المدخل الفعلي لأي اصلاح؟.
من الواضح أن هناك فرصة لتحقيق ذلك، لكن لن تكون الطريق سهلة، وتنبع هذه الفرصة من وجود ميزان قوى جديد داخل مؤسسات صنع القرار لصالح دعم خيار الإصلاح، لم يكن متوافراً في السابق. فالرئيس عون سيكون بعد انتخابه رئيساً قوياً، فهو إلى جانب الصلاحيات الدستورية سيحظى بتمثيل وزاري في الحكومة، إلى جانب تمثيل «التيار الوطني الحر»، وهذا سيضاعف من قوته في الحكومة، كما أن العماد عون يحظى بكتلة نيابية كبيرة في المجلس النيابي ويتمتع بتأييد شعبي واسع.
وإذا ما أضفنا إلى هذه العناصر من القوة، التي يتمتع بها العهد الجديد، وجود قوى سياسية حليفة له، وغالبية من الشعب اللبناني تتوق إلى تحقيق هذه الإصلاحات في بنية النظام، فإننا نستطيع القول إن العهد الجديد يملك عناصر قوة مهمة إذا ما أحسن توظيفها فانه بالإمكان إحداث هذه الإصلاحات، وإجبار بعض أطراف الطبقة السياسية المعارضة لهذه الإصلاحات على القبول بها.
ليس هناك من يعتقد أن الإصلاح سيكون سهلاً، لكن عندما تتوافر الإرادة وموزاين القوى لتحقيق ذلك فإنه لن يكون مستحيلاً، أو حلما صعب المنال.