لأول مرة منذ العام 1975، نحن ازاء رئيس للجمهورية ليس لادارة الأزمة وإنما لإيجاد حل لها. فالرئيس ميشال عون يحلم منذ فترة بعيدة بلبنان قوي في محيطه. وهو كان يعتبر أن الرئاسة الأولى هي المدخل إليه عبر حضور برلماني لتياره وتشكيل حاضنة وطنية اجتماعية غير طوائفية للتغيير. وهكذا كان، بحيث أن القوى الدولية والاقليمية أخذت في الإعتبار هذين العاملين يضاف إليهما "ورقة التفاهم" التي جمعته والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله.
في الحسابات، واشنطن تحتاج لورقة "الشرعية اللبنانية" والمؤسسة العسكرية في ظل "الإشتباك" مع موسكو في الساحة الاقليمية. كما أنها في ترجمتها للإتفاق النووي مع طهران يناسبها مفهوم الشراكة مع ايران على قاعدة الإحتواء. ذلك أن واشنطن تُشبِّه "ايران بـالحصان الجامح الذي لا بد من تحييده. وذلك أن ايران تجمعها الحدود بـ17 دولة. كما أنها قوة بشرية هائلة وواعدة إضافة إلى تاريخ حضاري. وهي إذا لم "تكسبها" واشنطن فإنها تشكل مع الصين قوة ضاغطة". بكلام آخر، الترجمة اللبنانية للإتفاق النووي الأميركي الايراني هي التي عززت من مكانة الجنرال عون في البعد الاقليمي للرئاسة اللبنانية، كما جعلت من مرتكزه اللبناني الذي يملك بُعدًا اقليميًا ممثلاً بحزب الله حليفه المحلي الذي رشَّحه للرئاسة وأصر على هذا الترشيح رغم ضغوط حلفائه في فريق الثامن من آذار.
واشنطن اشتغلت بذكاء على "تخريجة" الرئاسة الأولى ببعد لبناني أو ما اتفق على تسميته بـ"صناعة لبنانية" عبر تبني رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري لترشيح الجنرال خلافا لتوجهات قسم من قاعدته وخلافا لايحاءات سعودية غامضة في الشكل وإنما لا تملك إمكانية الإعتراض على ما تريده واشنطن... لكن التلاقي الأميركي – الايراني – السعودي على شخص الجنرال ميشال عون من نتائجه المباشرة حماية لبنان من التداعيات الاقليمية وفقا لقراءة السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبكين الذي رجّح في لقاء معه أن "يكون وجود الجنرال في الرئاسة اللبنانية مدخلا لاستقرار أمني وسياسي تباركه موسكو".
لا شكّ أنّ خطاب القسم الذي تلاه الرئيس ميشال عون يشكل خريطة طريق لتصوره في بناء السلطة. وهو صارح في هذا الخطاب القوى السياسية على اختلافها بما يريد. وما يريده قد لا يستسيغه قسم من الطبقة السياسية.
من عناوين خريطة الطريق للجنرال ميشال عون يقرأ المراقب السياسي:
1- الإعتراف باتفاق الطائف. وهو اعتراف مشروط بتطبيقه من دون تجزئة أو انتقائية. وهذا يعني تطبيق بنود الطائف التي بقيت مستعصية لأكثر من 26 سنة سواء بالنسبة لمجلس الشيوخ أو تشكيل هيئة إلغاء الطائفية السياسية أو إقرار مبدأ النسبية في القانون الإنتخابي... وأيضا إقرار اللامركزية الإدارية... والجديد في مقاربة عون لاتفاق الطائف هو "تطوير هذا الإتفاق" عند الضرورة وهو "تطوير" يحمل معاني كثيرة.
2- مواجهة الفساد عبر تشكيل هيئة وطنية له.
3- تحرير القضاء من الوصاية السياسية والإستتباع.
4- الاستقرار السياسي والأمني والإقتصادي والمالي والإجتماعي والصحي والإصلاحات على قاعدة المزاوجة بين القطاع الخاص والعام.
5- اللامركزية الإدارية ومسألة إنماء الأرياف وايجاد العلائق الفعلية بين المركز والأطراف.
6- الإهتمام المباشر والشخصي بالمؤسسة العسكرية ودورها في الإستقرار وتعزيز فكرة الدولة.
7- اسرائيل هي العدو. وهناك دور أساسي لتحرير ما تبقى من أراض محتلة عبر المقاومة.
8- تحييد لبنان عن المحاور العربية. فكرة التحييد هنا لا تعني إطلاقاً عزل لبنان عن محيطه العربي أو تحييده عن المواجهة مع التيارات الدينية المتطرفة المتمثلة بـداعش والنصرة والقاعدة والتنظيمات المشابهة. فالجنرال يعرف جيّدًا أن ما يهدد "المسيحية المشرقية" هو الفكر التكفيري.
9- قانون انتخاب يضمن صحة التمثيل. هنا لفت نظري في جلسة الإنتخاب أنه عندما تكلم رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن ضرورة قانون انتخابي يعتمد النسبية توجه الرئيس ميشال عون إلى النائب ابراهيم كنعان الذي كان يجلس إلى جانبه في ابداء ملاحظة معينة بها شيء من التجاوب مع الفكرة. ولذلك فإن تشديد الجنرال عون على اتفاق الطائف يحمل في ما يحمل فكرة تبني النسبية لضمان صحة التمثيل.
أيا يكن الأمر ميشال عون رئيس واعد لكل اللبنانيين الذين ينتظرون منه تعزيز فكرة المواطنة في وطن لا في طوائف ومزارع سياسية. وهو في الواقع يفي بوعوده.
* رئيس المجلس الوطني للإعلام