من غير المتوقع أن تقرّ قوى 14 آذار بالهزيمة التي لحقت بها بانتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية. يساعدها على ذلك أن الرئيس نفسه، وتياره السياسي، لم يقدّما انتصارهما كجزء من مشروع غلبة.

لكن فريق 14 آذار يُدرك حجم الهزيمة التي لحقت به. ورفضه الاعتراف بحجم ما جرى ليس من باب محاولة تحويل التهديد (الموجّه ضده) إلى فرصة (في وجه خصومه). فهذا الائتلاف (السابق) بات عاجزاً عن المبادرة، وهمّ كل واحد من مكوّناته التخفيف من الأضرار التي لحقت به في السنوات الماضية. منذ عام 2005، ظنّت قوى 14 آذار أن السياسة تُدار بالإعلام. بدا هذا الفريق أشبه بماكينة إعلامية كبرى، لا كتيار شعبي وسياسي ينفّذ مخططات يضعها بنفسه. كان دوماً في حالة انتظار ما يقرّره له الخارج، ومراهناً على أن يأتي رعاته ليخلّصوه من «عدوّه» الداخلي.

ظلّ هذا الفريق يراهن طوال 11 عاماً على أن حزب الله لا يجيد سوى العمل العسكري، وأن السياسة اللبنانية ستغرقه، كونه لم يمر في «مدرسة الحكم» زمنَ الوجود السوري. غاب عن بال هؤلاء أن السياسة، بالمعنى الحقيقي للكلمة، لا تُخاض على المنابر، ولا في مؤتمرات الفنادق، ولا في تظاهرات تبهت عاماً بعد آخر، وحسب. مشكلة قوى 14 آذار أنها تعاملت مع حزب الله باستخدام «برامج تحليل» تصلح مع القوى الأخرى. صحيح أن قوة الحزب لا تُصرف ــ كلها ــ في الداخل اللبناني. وصحيح أيضاً أن نتائج المعارك التي خاضها ضد العدو، ودوره في فلسطين ومقاومة الاحتلال الأميركي في العراق، ثم في مواجهة الإرهاب في الإقليم، لا «تُسيّل» في السياسة الداخلية. إلا أن هذا الواقع لا يبرّر لـ14 آذار أن تتصرّف دوماً كما لو أن خصمها الاول لا يجيد العمل السياسي.

وفقاً لهذه الرؤية «الطفولية» إلى حدّ بعيد، والانتهازية للغاية، والمستندة بشكل مطلق إلى مشروع خارجي يتراجع في الإقليم، تعاملوا مع المعركة الرئاسية، فانتهى بهم المطاف، جميعاً، إلى النتيجة التي تلقّوها. سمير جعجع، نفسه، الذي نفّذ النقلة الأبرز فوق رقعة الشطرنج يوم مدّ يده إلى الجنرال ميشال عون، لا يخرج عن قاعدة فريقه الأكبر. ظنّ أن بمقدوره سلب حزب الله واحداً من أركان عمله السياسي بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، أي تحالفه مع التيار الوطني الحر. راهن رئيس حزب القوات على صمت التيار الوطني الحر في خضم معركة الرئاسة، فسعى إلى إظهار نفسه كصاحب الفضل الأوحد في وصول عون إلى قصر بعبدا. اعتقد جعجع، ومعه الرئيس سعد الحريري، أن مجموعة مقابلات إعلامية وخطابات و»تمريقات» على موقع إلكتروني هنا ومقال هناك، كفيلة بإحداث تغيير جوهري في رأي أنصار عون. وبقي هذا الرهان قائماً، إلى أن أتى خطاب القسم، وفيه أعاد رئيس الجمهورية تأكيد الثوابت، وأبرزها: مقاومة العدو الإسرائيلي، لا لتحرير الأرض وحسب، بل لحماية لبنان أيضاً، مع ما يعنيه ذلك من تأمين قوة ردع للعدو؛ مقاومة الإرهاب، استباقياً، مع ما يعنيه ذلك من مقاتلة لهذا العدو حيث هو، وقبل أن يصل إلى حدودنا!

وبعد خطاب القسم، خرج الوزير جبران باسيل ليحدد «أسس» الانتصار الرئاسي. قالها بالفم الملآن: صمود عون، وموقف السيد حسن نصرالله. أضاف الكثير، لكنه حدّد الأساسَين اللذين بُني الإنجاز عليهما. وهو في كلامه جعل موقف السيد صنواً لصمود الجنرال. صَمَت فريق 14 آذار. فما راكمه طوال أشهر هُدِم بخطاب وكلمة. ليس التيار الوطني الحر من سيقابل الصدق والوفاء بغير مثلهما. وليس ميشال عون من يتراجع عن الثوابت لقاء كرسي، مهما عزّ وغلا. وليس بالعمل الدعائي ــ الإعلامي وحده (على أهميته) تُهزم «قوة إقليمية عظمى» لها دور في لبنان، ولا «قوة محلية عظمى» لها دورها في الإقليم.