يجب ألاّ يُغبن الوزير جبران باسيل حقّه في إيصال الجنرال ميشال عون إلى سدّة الرئاسة. بالتأكيد لا ننتقص من "وفاء" السيد حسن نصرالله ولا من "وعده الصادق" ولا نقلل من شأن تسليم الرئيس سعد الحريري بأنّه "الخيار الوحيد" المتاح أمامه. وأهم من هذا وذاك، لا نقصد تغييب عوامل خارجية رجّحت خيار انتخاب الجنرال عون بعدما استفحل الفراغ في موقع الرئاسة الأولى. المقصود هنا المساحة التي كان يشغلها باسيل ونجح في استثمارها إلى الحدّ الذي لا يمكن إلا تهنئته بنجاحه في الوصول إلى الهدف. لكن من دون أن ندخل في تقويم الوسائل التي اعتمدها ما دام الشعار هو "الغاية تبرر الوسيلة".
ثمّة دور محوري قام به الوزير باسيل في إدارة عملية وصول "الجنرال" إلى سدّة الرئاسة الأولى. دور لم يخرج بطبيعة الحال على الطاعة التي طالما كانت سبيل باسيل إلى قلب الجنرال وعقله. لكن استطاع أن يكون متميزاً. الوزير الشاب، ابن البترون وصهر الجنرال، الذي لم ينشأ في بيت سياسي، بل هو ابن عائلة كمعظم العائلات اللبنانية، لا يختلف في منشئه الإجتماعي عن ابن حارة حريك الذي صار رئيساً للبلاد. دور باسيل الذي أتقنه وغامر في اعتماده والسير به، ربما احتجاجاً على محاولات انتقاص من شخصيته، بالقول أنّه مجرد صهر، أو رداً على ذلك الانتقاص المرضي من المستوى الإجتماعي لوالده وأسرته، الذي حاولت ابنة الرئيس الراحل سليمان فرنجية أن تنال منه من هذه الزاوية.
الوزير باسيل حمل بثقة مشروع وصول عون إلى بعبدا. استخدم كل ما يمكن أن يوفر شروط الوصول. فرئيس التيار الوطني الحر الذي استفز في كثير من الأحيان جمهور خصوم هذا التيار، من دون تردد أو وجل، كان يدرك على ما يبدو أنّه يمهد الطريق للجنرال إلى بعبدا. ولأنّه ربيب عمه ومحل ثقته، غرف ابن البترون من آبار الإستفزاز والتحدّي ما جعله عرضة لحملات لم تقتصر على الخصوم من أنصار تيار المستقبل أو جمهور قوى 14 اذار، بل غيرهم ممن كانوا في المقلب الآخر لحلف عون - نصرالله، سواء جمهور الرئيس نبيه بري أو مناصري رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وحتى لمن هم في صفوف التيار الوطني الحر.
باسيل دخل في لعبة الإنقسام الطائفي واستخدم أدواتها حتى النهاية. استفزّ عموم جمهور المسلمين بلغته عن حقوق المسيحيين المنتهكة، ولم يوفر اللاجئين السوريين من نزعة وصفها الكثيرون بالعنصرية. وهو نفسه في وزارة الخارجية لم يتهيب استفزاز وزراء الخارجية العرب ضمن محاولة إثبات أن لبنان هو أقرب للنظام السوري أو إيران. كان يفاجىء الكثيرين ممن كانوا يعتقدون أنّه يعرقل مسيرة وصول قائده إلى قصر بعبدا، إذ كيف بمن يريد أن يتوافق اللبنانيون على رئاسة العماد عون، أن يذهب إلى هذا الحدّ في استفزاز من يفترض أن موافقتهم شرط في إيصاله إلى الرئاسة؟
كثيرون اعتقدوا أنّ باسيل سيكون أبرز سبب لفشل وصول الجنرال إلى بعبدا. لكن ربما لم ينتبه الكثيرون إلى أنّ الوزير الشاب، فيما هو يزعج الآخرين بلغته وخطابه وصولاً إلى اتهامه بالعنصرية، كان يستنفر شعبوية مسيحية وجدت فيه عنواناً يستحق أن تواجه من خلاله ما تعتبره استقواءً من قبل المسلمين. والميثاقية التي فسرها على طريقته ورفعها شعاراً في مواجهة المسلمين، تحوّلت إلى شعار شعبوي زاد من استقطابه ومن مؤيديه في الساحة المسيحية. لا شكّ أنّ الفوضى التي يعيشها لبنان وانعدام المعايير الدستورية والقانونية، أتاحت لنموذج باسيل أن يتقدم بقوة في البحر المسيحي لتكشف حجم الخواء السياسي والفكري ليس في البيئة المسيحية فحسب، بل على المستوى اللبناني عموماً. باسيل تفوق على الجنرال وتكفل بمواجهة ما لا يستطيع الجنرال مواجهته إمّا تعففاً أو بسبب تراثٍ لا يُريد التفريط به كاملاً.
على أنّ ما زاد في قوة باسيل وفي تعزيز خصوصيته كان مشهد قلب طاولة الحوار مستفزاً معظم اطرافها. لكنّ الأهم أنّه قلبها في وجه الرئيس نبيه بري. بري الذي لا يجرؤ حتى السيد نصرالله (وما أدراك ما السيد نصرالله) على إغضابه او المسّ بمشاعره، ابن البترون استفزّه ولم يتراجع بل أكمل الطريق. دون نسيان أنّه إذا كان لكل سياسي أب ونموذج يحتذيه، فباسيل هو ابن الرئيس بري، بمعنى أنّه يستنسخ تجربته في الحرص على حصته من المحاصصة، واستخدام المذهبية في المطالبة بها...
يحقّ لباسيل أن يفتخر أمام الجميع بأنّه، فيما يخوض مواجهة ضد من اتهمهم بمصادرة حقوق المسيحيين، هو نفسه من قام بإنجاز التسوية في وجهها المحلي مع سعد الحريري عبر مدير مكتبه نادر الحريري. ويستطيع ابن البترون، الوزير الشاب، الافتخار بأنّه أكثر من مجرد صهر، اسألوا الرئيس بري وعين السيد حسن، سليمان فرنجية.