خلال لقاء "العواطف والشكر" الذي جمع "المنتصرين" رئيس الجمهورية ميشال عون وامين عام حزب الله السيد حسن نصر الله عشية الانتخابات الرئاسية قال الجنرال عون للسيد نصر الله "يا سيد، مثلما كنا قبل الرئاسة سنكون بعد الرئاسة". طوال فترة الازمة الرئاسية لطالما وثق الجنرال بتعهد حزب الله وهو الذي لطالما قال "بالنسبة لنا كلمة السيد مقدسة" .صار الجنرال الحليف رئيسا وها هو حزب الله يقول اليوم "ثقتنا كبيرة بالرئيس عون ولن نضيف اكثر". لا يدخل ضمن بازار التشكيلة الحكومية ولا يعنيه ثلثا ضامنا او معطلا وضمانته "ان عون رئيس".
كل قواعد اللعبة تغيرت في جدولة حزب الله وحتى المعادلات الاقليمية وذلك بفعل التحولات العسكرية على ارض المعركة من اليمن الى سورية.
يعيش حزب الله ومحوره اليوم نشوة النصر، وها هو وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف يصل الثلاثاء المقبل الى بيروت مهنئا ولو ان زيارته كانت مقررة من قبل وتأخرت الى ما بعد انجاز الاستحقاق الرئاسي.
يتقدم المعطى الاستراتيجي على المحلي في حسابات حزب الله حتى في مسألة رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة ومن يرأسها . وهو لذلك فوض امر المفاوضات بشأن المناصب والحصص الوزارية الى حليفه الرئيس نبيه بري الذي له وحده ان يقرر شكل التمثيل الشيعي ومستواه في الحكومة العتيدة. لكل ما تشهده البلاد تفسير في قاموس الحزب الذي ومهما تنوعت تحليلاته فإنها تصب في صلب مصلحة البلد وهنا يصبح القبول بما كان مرفوضا في الماضي مبررا. في العلن انطلقت الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس العتيد لتشكيل الحكومة، ولكن الامور ذهبت ابعد من ذلك خلف الكواليس طالما ان الاتفاق يقضي بتكليف سعد الحريري الذي تبلغ خلال الساعات الماضية ان حزب الله فوض الرئيس نبيه بري التفاوض في حصة الشيعة في الحكومة.
لن تخلو مهمة الحريري من التعقيدات حتى ولو اتفقت الغالبية على تكليفه. لن تكون مسألة توزيع الحصص سهلة، وعلى سبيل المثال لا الحصر كيف ستتوزع الحصة المسيحية ما بين مستقلي المستقبل ورئيس الجمهورية والرئيس بري الذي سيصر على توزير النائب سليمان فرنجية المرفوض حكما من الوزير جبران باسيل، كما وسيصر حزب الله على توزير الحزب القومي وضمان حصة لاحد حلفائه السنة (فيصل كرامي او عبد الرحيم مراد او سعد) .
يتوقع حزب الله الا تكون طريق الحكومة " معبدة بالورود" ولو ان التعاطي معها سيكون على اساس كونها حكومة انتقالية لا يزيد عمرها عن اشهر معدودة لتبدأ المرحلة الجدية ما بعد الانتخابات النيابية . وتكشف مصادر معنية ان المباحثات الثنائية ما بين نادر الحريري وعلي حسن خليل قد انطلقت بالفعل في سبيل الوقوف على خاطر الرئيس بري الذي تتوزع مطالبه على شقين: شق له صلة بالمطالب اي الحقائب وعددها، والشق الآخر يتعلق بالضمانات. في الوزارات المتوقع ان بري لن يرضى اقل من المالية او الطاقة كوزارات سيادية ليكون سيدا ورقيبا على الجميع. اما الضمانات فهي قصة بذاتها ذلك ان بري كان يظن وحتى اللحظات الاخيرة ان ثمة استحالة بوصول الجنرال الى بعبدا في ظل الفيتو السعودي وهذا ما اكده الوزير وائل ابو فاعور عقب زيارته الاخيرة الى السعودية، اذ لم تكن الاجواء التي نقلها مطابقة لواقع الحال. ويقال هنا ان بري نصح الوزير فرنجية بالاستمرار بترشيحه رغم ان الاجواء كانت توحي بالاتفاق على عون. لكن المفاجأة حصلت وشعر بري ان صفقة مارونية سنية عقدت في مواجهته فصارت الضمانات ضرورة تجنبا لتشكيل هذه الثنائية.
تتوقع مصادر مقربة ان بري سيسمي الحريري لرئاسة الحكومة انطلاقا من تعهده بأن يكون معه "ظالما او مظلوما" وهو الداعي منذ البداية لتعويمه على حساب التيارات الاصولية المواجهة او تلك المتفرعة عن المستقبل من امثال اشرف ريفي. ثم ان بري الذي عارض وصول عون للرئاسة وظهر امام المسيحيين بوصفه المعطل، سيتجنب تكرار التجربة مع السنة بعدم تسمية سعد الحريري .ليس بري رقما سهلا في المعادلة المحلية ولا يمكن تمرير الاتفاقات من دونه ولذا نرى ان كل الفرقاء يسعون لمراضاته ، وفي مقدمهم الحريري الذي هو احوج ما يكون الى وجود سند شيعي يركن اليه وهو الذي يخوض حربا ضد حزب الله الى جانب المحور السعودي.
كل الافرقاء متفقة على وجود تفاهم يولد استقرارا يؤمن انطلاقة عهد الجنرال .ومن هنا سيصار الى تسهيل مهمة التشكيل نسبيا لا سيما ان عمر هذه الحكومة قصير حكما بفعل الانتخابات وبالنسبة للقوى السياسية الوازنة في البلد فان زهوة الانتصار الاولى ستكون ما بعد الانتخابات حيث تكون موازين القوى قد بدأت تتبلور والامور اكثر وضوحا. وانطلاقا من هنا فكل الاطراف لها مصلحة بتشكيل سريع سيكون صعبا تحقيقه في مدة اقرب من شهرين على ابعد تقدير نظرا لوجود صعوبات في التوزير والحصص والحقائب قد يصعب تذليلها بصعوبة.
ولو ان العقد الاساس قد حلت وهي بتكليف الحريري الذي لم يكن حزب الله يرغب بعودته لولا انه ايقن ان وصول عون للرئاسة قد لا يتحقق الى بتقديم تنازلات،فكان ان رضي الحريري بوصول عون بعد فشل كل الرهانات على تغيرات على الارض . كان بدأ الحريري مشواره الرئاسي بترشيح سمير جعجع ثم سمى سليمان فرنجية وما بينهما بعث برسائل الى الحزب تتحدث عن مرشح توافقي، ودورة التنازل هذه بعد 45 جولة تعطيل ما كانت لتحصل في نظر حزب الله لولا تغير الوضع اقليميا من اليمن الى سورية ولولا ان السعودية رضخت للتحولات الجديدة فجاء من يقنع المستقبل من امثال وزير الداخلية نهاد المشنوق والنائب وليد جنبلاط بأن اربحوا رئاسة الحكومة والطائف اليوم كي لا تخسروا كل شي غدا.
اراد حزب الله ان يثبت فعلا انه ليس المعطل لهذا الاستحقاق ومن هنا لم يمانع في عودة الحريري لرئاسة الحكومة كأصغر الخسائر لان الحريري الواصل الى رئاسة الحكومة اليوم مختلف عن الحريري بالامس، هو القادم في ظل تغيير موازين القوى والمرهق سياسيا وماليا ومحوره يبحث عن افق حل و يتخبط بمشاكل داخلية وخارجية .
اذًا باتت قواعد اللعبة تختلف جذريا في ظل تسوية شاملة ستلقي بظلالها على البلد وتفرض استقرارا مطلوبا لتقليعة عهد الجنرال الحليف في سدة الرئاسة الاولى.