مع إنتهاء الإستشارات المُلزمة التي تمّ بموجبها تفويض رئيس "تيّار المُستقبل" سعد الحريري تشكيل الحكومة المُقبلة بأغلبيّة نيابية ساحقة بلغت 112 نائبًا(1)، توجّهت الأنظار إلى مسألة تأليف الحكومة. فهل صحيح أنّها ستُعلن عشيّة عيد الإستقلال أيّ في غضون أسبوعين من اليوم، أم أنّ العقبات التي بدأت تُطلّ برأسها ستُعقد المشهد وستؤخّر إنطلاق عهد الرئيس المُنتخب العماد ميشال عون بشكل سلس؟
بداية، ليس صحيحًا أنّ إبداء مُختلف الأطراف رغبتهم بالإنضمام إلى حكومة الحريري هو دليل إيجابي، بل العكس صحيح. والسبب أنّ كثرة الطامحين بالمناصب الوزارية يزيد من صُعوبة توزيع الوزارات ورسم التوازنات السياسيّة، ويستوجب المزيد من الجهد والوقت لتذليل العقبات. وعلى الرغم من أنّ المُتفائلين بسرعة التشكيل يتحدّثون عن حكومة جديدة منسوخة عن حكومة تصريف الأعمال الحالية، مع بعض التعديلات، إلا أنّ المُتشائمين يُؤكّدون أنّ الأمور ليست بهذه البساطة. وفي هذا السياق، يُمكن تسجيل الملاحظات التالية:
أوّلاً: صحيح أنّ دمج الحصّتين الوزاريّتين لكل من رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان وللتيار الوطني الحُر، ومنحها للرئيس المُنتخب العماد ميشال عون وللتيار، من شأنه تأمين خمس وزارات تُرضي "التيار"، خاصة وأنّ من بينها وزارتين سياديّتين هما الدفاع والخارجية، فإنّ الأصحّ أنّ المُشكلة تكمن في وزارة الطاقة (النفط) التي كانت في حكومة تصريف الأعمال بيد ممثّل حزب "الطاشناق"، حليف "التيار البرتقالي" الوزير أرتور نظريان. وبحسب المعلومات المتوفّرة فإنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سمّى الحريري لرئاسة الحكومة، لمنحه الغطاء "الشيعي الميثاقيّ" – إذا جاز التعبير، بعد إحجام "حزب الله" عن تسميته كما كان مُتوقّعًا، يطمح للإحتفاظ بوزارة المال وبالإستحواذ على وزارة الطاقة أيضًا.
ثانيًا: صحيح أن لا مشكلة لدى أغلبيّة الأطراف في احتفاظ "تيّار المُستقبل" بوزارتي الداخليّة والعدل في الحكومة المقبلة، لكن الأصحّ أنّ المُشكلة تكمن في صُعوبة منح "المُستقبل" الحصّة المسيحيّة – إذا جاز التعبير، التي كانت له في حكومة سلام، علمًا أنّ "تيّار المُستقبل" يُصرّ على ذلك بحجّة أنّه ليس تيّارًا مذهبيًا، وبحجّة انّه يحقّ لرئيس الحكومة أن ينال حصّة وزارية، بعد إعتماد هذا المبدأ في موقع رئاسة الجمهورية.
ثالثًا: صحيح أنّ خروج النائب بطرس حرب من الحكومة، والتراجع المُرتقب لحصّة حزب "الكتائب اللبنانيّة" من ثلاثة وزراء إلى وزير واحد في حال رغبوا بالمُشاركة، سيُؤمّن ثلاثة مناصب وزارية جاهزة للتبديل، إلا أنّ الأصحّ أنّ حزب "القوات اللبنانيّة" الذي يرغب بالدخول إلى السلطة التنفيذيّة كشريك في الحكم، يُطالب بحسب المعلومات المتوفّرة، بوزارة سيادية إلى جانب وزارة أخرى، أو بثلاث وزارات خدماتيّة. وبالتالي في حال رفض منح "القوّات" أيّ من وزارات الداخلية والمال والطاقة، ستتمسّك "القوات" بمطلب الثلاث وزارات. وحتى لو جرى منحها مثلاً وزارة الإتصالات والإعلام والعمل، فإنّ المُشكلة التي ستبرز عندها تتمثّل في عدم توفّر وزارة تُرضي "تيار المردة" الذي كان قبل بوزارة الثقافة في الحكومة السابقة، لأنّ عينه كانت على موقع الرئاسة.
رابعًا: صحيح أنّ "حزب الله" لا يُمانع في الإحتفاظ بوزارتيه السابقتين من دون تغيير تسهيلاً لعمليّة التأليف، إلا أنّ الأصحّ أنّه يُطالب في المُقابل، وبحسب المعلومات المتوفّرة، بأن تحظى قوى "8 آذار" بتمثيل جيّد في الحكومة الحريريّة، لجهة توزير النائب طلال أرسلان أو الوزير السابق وئام وهاب، وتوزير أحد الوزيرين السابقين عبد الرحيم مراد أو فيصل كرامي، إضافة إلى منح وزارة إلى "الحزب السوري القومي".
خامسًا: صحيح أنّ "الحزب القدمي الإشتراكي" مُوافق على الإحتفاظ بوزارة الصحّة، وهو يُبدي ليونة إزاء عمليّة التأليف ككل، لكنّ الأصحّ بحسب المعلومات المتوفّرة، أنّه يطمح لأن ينال تمثيلا يليق بحجم الكتلة التي منحت أصواتها لكل من الرئيس المُنتخب ورئيس الحكومة المُكلّف، لجهة عدد الوزارات ونوعيّتها.
في الخلاصة، صحيح أنّ التسوية التي قضت بإنتخاب العماد عون رئيسًا للجمهورية في مُقابل تكليف النائب الحريري تشكيل الحكومة المُقبلة تسير بسرعة لافتة، لكنّ الأصحّ أنّ البحث الجدّي في التوازنات السياسيّة قد بدأ للتوّ، والأيّام المُقبلة ستُعطي فكرة عن إتجاه الأمور...
(1)أي أكثر بمقدار 29 صوتًا مُقارنة بما ناله العماد ميشال عون عند إنتخابه رئيسًا في الدورة الثانية من التصويت، في رسالة مُعبّرة على غير صعيد.