أكثر من اجتماع ولقاء تشاوري حصل على امتداد الشهرين الماضيين في منطقة بعلبك الهرمل. والهدف هو دعوة الدولة للحضور إلى البقاع الشمالي المهمل أمنيا وإنمائيا واقتصاديا وتربويا مثله مثل عكار جارته المثقلة بالحرمان. وحقيقة الأمر اكتشف المجتمعون من كل البلدات والمكوِّنات بأن ما يجمعهم هو أنهم جميعا ينتمون إلى طائفة واحدة هي "طائفة الحرمان" واستذكروا مجتمعين كيف أن الإمام السيد موسى الصدر حوّلهم إلى "متّحد اجتماعي" وفقا لمصطلح الزعيم أنطون سعادة وإلى "كتلة تاريخية" وفقا لما ذهب إليه "المنظِّر الماركسي" غرامشي.
السيد موسى الصدر دخل قلوب البقاعيين وعقولهم لأنهم لمسوا شفافية وصدقا عندما طالب لهم بالطريق والمدرسة والماء والكهرباء والبنى التحتية وتصنيع المنتوج الزراعي وبناء السدود وإنصافهم في الوظائف وحل مشكلة الخلل الكبير في العلاقة بين المركز والأطراف والذي أنتج "أحزمة البؤس" في بيروت كون الدولة ليست أكثر من امتداد لنظام المتصرفية الذي استتبع الأقضية الأربعة إليه على قاعدة الإلحاق الإداري ليس أكثر وأقل بحيث بقي البقاع ومعه عكار بعيدين عن منافع الإلتحاق بالدولة.
أهمية اللقاءات البقاعية أنها استبقت خطاب السيد حسن نصر الله البقاعي حيث ارتكز فيه إلى "ميثاق الشرف" الذي كتبه الإمام السيد موسى الصدر ووقَّعت عليه عشائر وعائلات بعلبك الهرمل وكافة المكوّنات والأطياف.
لقد استخدم السيد نصر الله في مخاطبته البقاعيين "لغة صدرية" (نسبة للإمام الصدر): تذكير بما تضمنه الميثاق لجهة "المسؤولية الشخصية لمرتكب الجريمة وإلى اعتباره منبوذا وإلى ملاحقته شخصيا ولا يؤخذ بجريرة عمله أي إنسان آخر..". وكلام السيد حسن نصر الله جاء في سياق "ازدهار" جرائم الثأر والمخدرات والبطالة والمشاكل المتفجرة وسرقة السيارات وفرض الخوّة. والواضح أن السيد نصر الله في مقاربته البقاعية يبني على "البناء الفكري والمطلبي" للإمام موسى الصدر في مشروعه الداخلي ما يشكّل تقاطعا مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري... لكن رغم التوصيفات الدقيقة للسيد نصر الله والإهتمام البالغ بايجاد الحلول للبقاع ثمة أمر بالغ الأهمية ينبغي أن يكون عنصرا أساسيا في التوصيف والشرح والربط وهو أن "ميثاق الشرف" جاء تتويجا لحركة المطالب أي الربط بين "الأمن والإنماء" ولم يأت منفردا أو معزولا. فما يحتاجه البقاع حاليا هو إنماء فعلي خصوصا وأن وجود 40 ألف مطلوب للعدالة يكاد يحوّل المجتمع البقاعي إلى مجتمع فار. فغالبية هؤلاء مطلوبون لأسباب تعود للفقر والعوز. وهي أسباب تسوِّق ثقافة الثأر وتسويق المخدرات بحيث يكون المطلوب المحتاج ضحية فيما يكون التاجر الحقيقي والذي يدير شبكة محميا من أي ملاحقة.
في النقاشات التي تدور بين البقاعيين يمكن الوقوف على الثوابت الآتية:
1- تعزيز روح التسامح والألفة والجوار والتشجيع على ثقافة الحوار لا الخلاف.
2- البقاع الشمالي هو في مثابة "لبنان مصغر" حيث تتمثل فيه كل مكونات المجتمع اللبناني وهو صيغة واقعية لحوار الحضارات والأديان وهذا يذكِّر بكلام لسيادة البابا يوحنا بولس الثاني بأن لبنان "ليس مجرد بلد بل رسالة". وهو بهذا المعنى يشدّد على فكرة الدولة الواحدة القوية والقادرة ويرفض أي صيغة فيدرالية أو كونفيدرالية كونها تـُضعف وحدة الدولة وتفكك الإنتماء الوطني.
3- تعزيز الوحدة الوطنية الداخلية.
4- الأمن وربطه بحضور الدولة الفاعل من جانب المؤسسة العسكرية وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية ومعالجة مشكلة المطلوبين والفارين عبر القضاء وعفو عام مدروس وإلا تحوّل المجتمع البقاعي إلى مجتمع فار ومطلوب. وهذا ليس في مصلحة البقاعيين ولا مصلحة الدولة سيّما وأن هناك أخطاء ترتكب إزاء أهل المطلوب من دون إدراك للآثار السلبية الناجمة عن ذلك.
5- سحب سياسات التحدي بين الموالاة والمعارضة في الخطاب السياسي.
6- إنجاز البنى التحتية في البقاع الشمالي سواء ما يخص مياه الشفة أو الصرف الصحي والكهرباء.
7- إعطاء سلف للمزارعين وتصنيع المنتوج الزراعي وإحياء الدور الإقتصادي للمنطقة والإستفادة من إمكانية توظيف زراعة الحشيش في المجال الطبي تحت رقابة الدولة والمجتمع الدولي أسوة بدول أخرى منها المغرب.
8- المقاومة عنوان لكل اللبنانيين وهي ضمانة لعودة مزارع شبعا والحؤول دون التوطين ومصادرة اسرائيل لمياه الجنوب ولردع الإعتداءات والمطامع الإسرائيلية. كما أنها تعزز حضور لبنان على الخريطة الدولية وموقع المفاوض العربي في عملية السلام استنادا للقرارين 242 و 338 ومبدأ الأرض مقابل السلام.
9- دعم الجيش اللبناني باعتباره حامي السيادة وضامن الوحدة الوطنية والمتربص بسياسات التكفيريين ومشاريعهم الشيطانية.
10- دعم الزراعات العضوية خصوصا وأن أراضي البقاع الشمالي ما تزال بكرا وهذا ما يؤدي إلى دعم المؤسسات الإنتاجية الصغيرة لا سيما النسائية منها.
11- حماية الثروة الحيوانية.
12- عدم تجاهل البقاع الشمالي في وظائف الفئة الأولى والمدراء العامين والسفراء خصوصا وأن هناك نخبا بقاعية مميزة وهذا هو التوقيت المناسب لإنصافهم. وهذه النخب موجودة عند السنة والموارنة والكاثوليك والأرثوذكس والشيعة.
13- ضرورة إدراج سدود مقررة على لائحة مجلس الإنماء والإعمار وبمساعدات دولية في منطقة جبال عرسال والفاكهة ورأس بعلبك للحؤول دون أخطار السيول وللإستفادة من مياه الأمطار.
14- تنفيذ التعهدات وفقا للمواصفات المطلوبة وعدم التساهل حيالها.
15- ايصال الكهرباء ومياه الشرب والمستوصف إلى المزارع الحدودية المهملة كليا من جانب الدولة أرضا وبشرا. وحضور الدولة مهم هناك لتحصين الوضع من اختراقات التنظيمات التكفيرية.
16- إنشاء فروع للجامعة اللبنانة في البقاع الشمالي.
17- مجلس انمائي لبعلبك الهرمل وعكار
18- تفعيل محافظتي بعلبك الهرمل وعكار عبر اتخاذ المراسيم والاجراءات اللازمة وإتمام معاملات الضم والفرز في البقاع.
19- الترحيب بالعهد الحالي وبخطاب السيد حسن نصر الله البقاعي الذي نقدِّر ونحترم ونعتبره في ارتكازه إلى ميثاق الشرف الذي كتبه الإمام السيد موسى الصدر ووقَّعت عليه العشائر والعائلات ورموز المكونات البقاعية على اختلافها. نعتبره شريكا لرئيس مجلس النواب نبيه بري في حفظ وإحياء البناء الفكري للإمام وهو بناء يصلح لتصويب الوضع والأداء وبناء الدولة واستشراف المستقبل وحفظ الوحدة الوطنية.
وهكذا نأمل من العهد الجديد أن يعير اهتمامه لمنطقتنا المحرومة وخصوصا أن سيد العهد الجنرال ميشال عون الذي كان سبّاقا في خطاب القسم إلى التشديد على الإستقرار السياسي والأمني والإقتصادي والمالي والصحي. ولذا نأمل خيرا في قيام تعاون وتنسيق حقيقي بين سيد العهد ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وسيد المقاومة لما فيه رفعة طائفة الحرمان البقاعية ومعها كل المحرومين في عكار والجنوب والجبل وطرابلس وأي بقعة لبنانية مهملة.
*رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع