أما وقد تم انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، فانه يمكن القول بأن مرحلة جديدة قد بدأت، وتتمثل في العمل على التصدي للتحديات الكبيرة التي تواجه البلاد، والنابعة من الأزمات المتفاقمة اقتصاديا وماليا واجتماعيا، وإعاقة الطبقة السياسية المستمرة لأي إصلاح في بنية النظام اللبناني المولد للأزمات، لتبقى هذه الطبقة مهيمنة على السلطة وتمنع أي تجديد في الحياة السياسية اللبنانية.
وتتجسد هذه الإعاقة في التصدي بشراسة لإقرار قانون جديد للانتخابات يعتمد التمثيل النسبي، لأن مثل هذا القانون، إذا ما تم اعتماده سوف يحول دون احتكار التمثيل النيابي ويفسح في المجال أمام تمثيل القوى الوطنية، المعارضة للسلطة، بالنسبة التي تحصل عليها،أما في القانون الأكثري المعتمد فان هذه القوى لا تملك فرصة الوصول إلى سدة البرلمان.
ولا شك في أن أي إصلاح في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية إنما يتطلب بالضرورة تغييراً في السلطة السياسية الحاكمة، والتي يتم إعادة تشكيلها بناء على نتائج الانتخابات النيابية، الأمر يجعل أي تغيير في السياسات، التي تسببت ولا تزال في أزمات اللبنانيين وزيادة مصاعب الحياة أمامهم بفعل تراجع قدرتهم الشرائية وزيادة الضرائب غير المباشرة وتنامي البطالة، رهن بتغيير قانون الانتخاب ليكون قانونا عادلا يأتي بمجلس نيابي يمثل كل شرائح وفئات الشعب بعدالة، وبالتالي إعادة تكوين السلطة على نحو يعبر عن تطلعات اللبنانيين.
وما زاد الطين بلة انتشار الفساد على نطاق واسع داخل مؤسسات الدولة، وشل كل أجهزة الرقابة والمحاسبة ومنعها، من قبل الطبقة الحاكمة، من القيام بدورها في محاربة الفساد، مما أدى إلى هدر كبير في المال العام والتشجيع على السطو على منشآت الدولة ( فضيحة الانترنت غير الشرعي والاملاك البحرية.. الخ) واستخدامها من قبل بعض المافيات المحمية من أصحاب النفوذ داخل السلطة.
انطلاقا من هذا الواقع فإن مهمة العهد الجديد لن تكون سهلة فهو مطالب بتنفيذ برنامجه للإصلاح والتغيير، الأمر الذي سيجعله بكل تأكيد يصطدم بالطبقة السياسية التي ليس لها مصلحة بالتغيير والإصلاح، وهي ستعمل على الاحتماء بالطائفية للدفاع عن مصالحها، وهذا يعني أن التحدي الكبير الذي سيواجه عهد الرئيس عون يكمن في مدى القدرة على مواجهة هذه الطبقة والعمل على تفكيك منظومة الفساد والإفساد التي جرى بناؤها في قلب الدولة.
على أن الرئيس ميشال عون يختلف عن الرؤساء السابقين بكونه يملك كتلة نيابية كبيرة، ويحظى بتأييد شعبي واسع، عبر عنه في الاحتفالات التي واكبت انتخابه طوال يوم الانتخاب في 31 أكتوبر المنصرم، وهذا يعني أنه سيكون له وزن تمثيلي في الحكومة، أولاً من خلال حصته كرئيس، وثانياً من خلال حصة تكتله النيابي، عملاً بالقاعدة المعتمدة بتشكيل حكومات ما بعد الطائف،كما يحظى الرئيس عون بتحالفات سياسية داخل الحكومة، ما يؤشر إلى أن الرئيس عون سيملك قوة مؤثرة داخل الحكومة وفي البرلمان، إلى جانب الصلاحيات التي يتمتع بها كونه رئيساً للجمهورية.
غير أن الحكومة ستشارك فيها الأطراف الأخرى الممثلة في البرلمان بإحجامها التمثيلية، ما يجعل من هذه الحكومة التي سيؤلفها النائب سعد الحريري، بعد تسميته في الاستشارات النيابية لتشكيلها. تواجه صراعا بين تيارين:
التيار الأول: يسعى إلى تحقيق الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد.
والتيار الثاني: يرفض الإصلاح ويريد حماية نفوذه داخل السلطة وعدم المس برموز الفساد التابعة له.
ولكن القدرة على تنفيذ الإصلاح والتغيير تحتاج إلى حكومة تدعم هذا النهج، والحكومة التي ستشكل سوف تكون منقسمة حول هذا الأمر، وهي حكومة أقرب إلى أن تكون حكومة انتقالية مهمتها الاساسية ستكون الإعداد لقانون جديد للانتخابات والبدء بالتحضير والاشراف على إجراء الانتخابات في بداية الصيف المقبل، ما يعني أن التحدي الأساسي الذي سيواجهها، والذي يشكل المدخل لأي إصلاح، وأي تغيير في بنية النظام، يكمن في الاتفاق على ماهية القانون الذي ستجري على أساسه الانتخابات، وهنا بيت القصيد، فلا تغيير ولا إصلاح ما لم يسن قانون انتخابي غير مفصل على قياس الطبقة السياسية الحاكمة، التي طالما ضمنت إعادة إنتاج نفوذها وحماية مصالحها عبر اعتماد القانون الأكثري الذي يؤمن لها احتكار التمثيل ومنع قوى المعارضة لسياساتها من الوصول إلى البرلمان، وبالتالي منع التغيير.
إذا عهد الرئيس عون سيكون في الأسابيع والأشهر المقبلة أمام تحدٍّ حقيقي لتحقيق مطلب الإصلاح والتغيير انطلاقا من اعتماد قانون انتخاب على أساس النسبية باعتباره المدخل، بل الممر الإلزامي لتحقيق التغيير والإصلاح الذي يتطلع إليه اللبنانيون للخروج من دوامة الأزمة التي يعانون منها.
فهل تجبر الطبقة السياسية على القبول بهذا الإصلاح عبر إقرار قانون انتخاب على قاعدة النسبية، كما أجبرت على القبول بانتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية، وهي التي كانت ترفض طوال السنوات السابقة انتخابه، وتعمل على تحجيم قوته التمثيلية، ومنع وصوله إلى سدة الرئاسة!؟.
وبالتالي هل سيكون أحد شروط تشكيل الحكومة الجديدة الاتفاق مسبقاً على مضمون قانون الانتخاب ليكون جزءًا من البيان الوزاري!؟
هذا ما ستجيب عليه الأيام المقبلة.