في الثمانينات تميز رئيس حركة امل المحامي نبيه بري بثلاث ثوابت حاسمة لم يتزحزح عنها وهي المقاومة التي كان لحركة امل دور ريادي في انطلاقتها من زمن الإمام الصدر والوحدة الوطنية التي عبر عنها تمسك بري بحماية الوجود المسيحي خلال الحرب الأهلية وحيث تميزت مناطق سيطرة حركة امل بحماية البلدات والقرى والأحياء المسيحية وبالحفاظ على مؤسسات الدولة وهياكلها ويذكر اللبنانيون ان رئيس حركة امل أصدر اوامره بحماية المواطنين المسيحيين في بيروت بعد انتفاضة 6 شباط وإثر الجريمة الطائفية التي استهدفت عائلة من آل حداد وثالث ثوابت بري كان الإصلاح والعدالة الاجتماعية.
بعد اتفاق الطائف كان رئيس حركة امل الوزير نبيه بري آنذاك راعيا وداعما لجهود سياسية هدفت إلى التواصل المباشر مع العماد ميشال عون ولفتح قنوات بينه وبين قصر الرئاسة السوري انطلاقا من تقويم سياسي يعتبره الأقرب إلى تلك الثوابت في الواقع السياسي وقد قطعت تلك المحاولات باستعجال الاشتباك العسكري مع الجنرال كما قطع سواها على يد فريق الإدارة السوري الذي تحدث عنه سماحة السيد حسن نصرالله وقال إنه استهدف المقاومة منذ العام 1987 في القرن الماضي وهو الفريق نفسه الذي عاد واستهدف سورية من الداخل بعد عشرين عاما ولذلك حديث يطول.
ما عرضه السيد حسن نصرالله من الوقائع حول موقف الرئيس بري في مناخ المعركة الرئاسية التي حسمت بانتخاب العماد ميشال عون يستدعي التوقف ولا بد من موقع الصداقة والتحالف أن ندعو الجمهور العوني وكوادر التيار الوطني الحر لتأمل الوقائع التي نوه بها السيد نصرالله حول تمسك الرئيس بري بتلبية مطالب التيار في المراحل السابقة خلال تأليف الحكومات حيث قامت حركة امل بالتفاهم مع حزب الله بإبلاغ الرؤساء المكلفين تباعا قرارها بعدم المشاركة في الحكومة ما لم تلب مطالب تكتل التغيير والإصلاح وهذا ما استدعى من سماحة السيد ان يطلب من التيار موقفا مقابلا إزاء تمثيل الحركة ومطالبها في الحكومة الأولى لعهد الرئيس ميشال عون.
كذلك ذكر السيد نصرالله بأسلوب رئيس المجلس في إدارة الجلسة الانتخابية لمنع تهريب النصاب الذي لو وقع لأفسد الفرصة المتاحة لانتخاب فخامة الرئيس ميشال عون ومن الوجيه السؤال ماذا لو تراخى الرئيس بري في هذا الموضوع وتجاهل تسريب النواب من قاعة البرلمان وهو الذي جاهر بأنه لن يصوت للجنرال لكنه تصرف كرجل دولة بمسؤوليته عن إتمام الاستحقاق وسد أبواب تطيير النصاب وكان يستطيع التغاضي عن ذلك من غير ان يشكل الأمر خرقا دستوريا لكن حرصه السياسي والوطني على إنجاح انتخاب العماد ميشال عون هو الذي تحكم بقراراه الحاسم وحين أعلن النتيجة أخرج دولة الرئيس من جيبه خطاب التهنئة الجاهز متوجها بمد يده إلى فخامة الرئيس وهنا سلوك رجل الدولة الذي يجسد الدستور ويحترم نصه وروحه ويقدم المصالح الوطنية العليا على التباينات العابرة.
من يؤرخ لتجربة الرئيس بري مع الطائف يشهد له بالمثابرة على التقدم باقتراحات إصلاحية متلاحقة صدها الآخرون ولا سيما في قانون الانتخابات الذي يتفق الجميع اليوم على ترداد كلمات رئيس المجلس باعتباره مفتاح الإصلاح السياسي والرئيس نبيه بري هو الذي أصر على تنفيذ ما نص عليه اتفاق الطائف لجهة أمرين حاسمين ومترابطين في تطور النظام السياسي والدستوري وهما اعتماد نظام المجلسين (مجلس الشيوخ الطائفي والمجلس النيابي المنتخب نسبيا وفي لبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي ) وقد بادر الرئيس بري غير مرة إلى تحريك موضوع تشكيل الهيئة العليا لتجاوز الطائفية الذي نص عليه اتفاق الطائف وبات مادة دستورية وقد قوبل رئيس المجلس كل مرة برفض وصد شديدين.
لا يمكن لأي كان تجاوز الدور المحوري للرئيس نبيه بري خلال السنوات العشر الأخيرة الحافلة بالأزمات والصدامات والمخاطر بحيث فتح قنوات الحوار والتواصل مع الجميع من موقع الرئاسة الثانية وأدار الحوارات السياسية التي احتوت التوترات والتناقضات ومنعت انفجار الانقسامات في الشارع وهو بذلك ضمن سقفا سياسيا راعيا للاستقرار الأمني حتى في اخطر مراحل الفراغ على صعيد السلطة التنفيذية مع حكومات التصريف المديد للأعمال ومؤخرا بعد الشغور الرئاسي وكان بتعاونه مع الرئيس تمام سلام ضامنا لاستمرار الحكومة التي عصفت بها الخلافات غير مرة وفي معظم المرات كان الرئيس بري مناصرا لمطالب التيار الوطني الحر مسهلا للتجاوب معها ولتبديد شبهات الانتقام والكيد التي استهدفت موقع التيار ودوره في مجلس الوزراء.
مكانة الرئيس نبيه بري كزعامة شعبية وسياسية تحتم على أي جهة فاعلة البحث عن خطوط التواصل والتنسيق معه ودوره الدستوري يفرض علاقة تعاون وثيقة بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وما ألقى عليه الضوء سيد المقاومة هو رافعة لحث الحليفين على التواصل المباشر والعمل المشترك في مرحلة إنقاذية جديدة ويفترض بنا لفت انتباه كوادر ومناضلي التيار الوطني الحر إلى أنهم اليوم مطالبون بمواكبة عهد الرئيس ميشال عون بمد الجسور بمضمون خطاب القسم كوثيقة إجماع وطني يقتضي نسجه وتكوينه إقفال المرحلة السابقة وفتح صفحات جديدة في جميع الاتجاهات وسيكتشفون بالتجربة ان ما يجمعهم بحركة امل وبالرئيس نبيه بري كبير وكثير.