يبدو أن الإحاطة الدولية بلبنان بعد انتخاب رئيس الجمهورية، لم تفعل فعلها بالنسبة لتأليف الحكومة الذي يخضع لتسويات داخلية ما تزال تحتاج إلى بعض الوقت لإتمامها، بفعل بروز هجمة شرسة من مختلف الأفرقاء على التوزير والحقائب وخصوصاً السيادية منها، حتى أن البعض ذهب إلى القول أنه في حال أراد رئيس الحكومة إرضاء كل كتلة نيابية وتحقيق ما تريد فإن ذلك يحتاج إلى تأليف حكومة لكل كتلة، وهذا بالتأكيد من سابع المستحيلات.
غير أن ذلك لا ينفي وجود الرغبة والإرادة لدى كل الأطراف في تأليف حكومة العهد الأولى، وهذا الأمر هو محطّ رغبة دولية أيضاً عبّر عنه وزير خارجية إيران محمّد جواد ظريف أمام من التقاهم من المسؤولين اللبنانيين، حيث عُلم في هذا المجال أن رئيس الدبلوماسية الإيرانية سأل رئيس مجلس النواب نبيه برّي خلال لقائه أمس أين أصبحت الحكومة العتيدة؟ فكان جواب رئيس المجلس بأن هناك حلحلة و«ماشية الأمور»، فعاد ظريف وشدّد على ضرورة الإسراع في التأليف وأن بلاده جاهزة لدعم لبنان وللتعاون مع الحكومة الجديدة حول مختلف الملفات.
ونقل زوّار الرئيس برّي عنه أمله في أن تتم عملية التشكيل قبل الثاني والعشرين من الشهر الحالي أي قبل عيد الاستقلال.
وعندما سأله الزوار عن حقيبة المالية وما إذا كانت من الحصة الشيعية قال لهم: إسألوا الرئيس حسين الحسيني ما حصل في الطائف.
وبحسب مصادر سياسية مطلعة أن الحراك الحاصل بالنسبة للتأليف ما زال في إطاره الطبيعي، وأن هناك الوقت الكافي لإنضاج التسوية الداخلية حول التأليف، ولا توجد عقدة محدّدة بالنسبة للحقائب، إنما توزيع هذه الحقائب التي عادة توزع بين المسلمين والمسيحيين لم يُنجز بعد، حيث أن الصعوبات الموجودة الآن هي عند المسيحيين أكثر بكثير مما هي عليه عند المسلمين.
وتذكر المصادر ان النوايا والرغبة عند الرؤساء الثلاثة موجودة بالنسبة للتأليف، لكن الحذر يبقى في التوزيع والتفاصيل، مشددة على ان لا مشكلة في الأسماء عندما يتم الاتفاق على الحقائب حيث يصبح إسقاط الأسماء على الحقائب امراً سهلاً.
وحول شكل الحكومة المقبلة تلفت المصادر إلى ان هناك توجها لأن تكون من ثلاثين وزيراً، لأن هذا الأمر يريح الرئيس المكلف في استيعاب كل القوى السياسية خصوصاً المسيحية منها، حيث ان هناك اطرافاً كثيرة ومطالب كثيرة.
وفي اعتقاد المصادر ان الرئيس المكلف المنكب على وضع تصورات لشكل الحكومة الجديدة، وجوجلة مواقف كل القوى من مسألة الحقائب والأسماء سيُجري في اليومين المقبلين مروحة من الاتصالات والمشاورات، لا سيما مع الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي لاستخراج الرأي حول ما وصل إليه، والتشاور في الآلية التي يجب اعتمادها لإخراج التشكيلة الحكومية إلى النور في أسرع وقت ممكن.
مشددة على ان الرئيس الحريري يرغب في ان لا يطول أمد التكليف، وانه يسعى لتأليف الحكومة بأسرع وقت ممكن لمواكبة تطورات المنطقة والانطلاق في معالجة الملفات الداخلية لا سيما الحياتية منها والاقتصادية، وفي موازاة ذلك فإنه يضع في حساباته التوجه نحو الدول الخليجية لإعادة المياه إلى مجاريها، اعتقاداً منه بأن الوصول إلى هذا الهدف يريح لبنان كثيراً، حيث ان هناك العديد من الدول العربية التي يمكن ان تقدّم يد العون والمساعدة للبنان لحل أزماته المتعددة.
ولا ترى المصادر ما يحول دون الوصول إلى تركيب «البازل» الحكومي بسرعة ما دامت كل الأطراف راغبة في ذلك، وما دام لا توجد أي مصلحة لأي فريق في تأخيرها، فإنه لا بدّ من حصول تنازلات متبادلة وعدم التمترس وراء المطالب، لأن ذلك يدخلنا في فراغ حكومي أقرب إلى الفراغ الرئاسي الذي استمر لأكثر من سنتين ونيّف، كما ان عمر الحكومة المحدد بإجراء الانتخابات النيابية في الصيف المقبل لا يستأهل المبارزة وخوض المعارك حول هذه الحقيبة أو تلك، إلا إذا كان هناك من يحاول توظيف وضعه الحكومي في الانتخابات النيابية المقبلة على المستوى الخدماتي.
وفي اعتقاد المصادر ان تأخر ولادة الحكومة مُـدّة طويلة يعتبر نكسة قوية للعهد، وانطلاقاً من هذا المعطى فإنه من الممكن إعادة النظر في بعض الحقائب لصالح التوافق وإرضاء ما أمكن من الأطراف السياسية، وفي حال حصول هذا الأمر، فإنه لا شيء يمنع من الاحتفال بعيد الاستقلال بوجود حكومة جديدة، تعمل على إطلاق ورشة عمل تبدأ بالإعداد لوضع قاعدة انطلاق لوضع قانون جديد للانتخابات ومن ثم مقاربة الملفات الحياتية للمواطنين الذين وصلوا إلى حدّ الكفر بما وصلوا إليه على كافة الصعد.
وتكشف هذه المصادر عن وجود اتصالات ومشاورات خلف الكواليس حول حجم الحكومة وتوزيع الحقائب لا سيما السيادية منها، إذ ان عقدة «القوات اللبنانية» بهذا الخصوص ما تزال هي الحجر الأبرز الذي يعيق التقدم في اتجاه الإعلان عن ولادة حكومة العهد الأولى، وأن اتصالات مكثفة تجري مع معراب للتعاطي بواقعية مع مسألة التأليف وتوزيع الحقائب، لأن التمسك بمطالب محددة من دون التعامل بمرونة مع واقع الحال ربما يدخلنا بأزمة جديدة، لبنان بغنى عنها مع بروز رغبة إقليمية ودولية بالعودة إلى احتضانه وتقديم ما يلزم من دعم له لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.