في الأيام الماضية، كان من الواضح أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يريد إثبات عدم هزيمته أمام تنظيم "داعش" الإرهابي قبل إنتهاء ولايته، الأمر الذي دفعه إلى الإعلان، في الوقت نفسه، عن حملتين عسكريتين في سوريا والعراق، بالرغم من أن نتائجهما العسكرية لن تحسم قبل تسلم خلفه زمام الأمور.
من حيث المبدأ، لا يمكن إغفال "الغضب" التركي من خطوات أوباما، التي لم تضمن مصالح تركيا في الرقة والموصل، بعد أن فضلت واشنطن الإعتماد على عدوها في الأولى، أي "قوات سوريا الديمقراطية"، في حين رفضت بغداد أي مشاركة لها في الثانية، بسبب أطماع أنقرة التاريخية، لكن هذا لا يمنع أن مسار معركة الرقة سيكون هو الأصعب.
في هذا السياق، تفضّل مصادر متابعة، عبر "النشرة"، الحرص على توصيف المعركة الحالية بمعركة حصار الرقة لا تحريرها، وتشير إلى أن الخطوة الثانية لن تحصل في وقت قريب، وتعتبر أن الهدف الأميركي من الإعلان عنها إعلامي دعائي أكثر مما هو سياسي عسكري، وتضيف: "واشنطن تدرك صعوبة التخلص من "داعش" خلال وقت قصير، لا سيما أن أغلب الترتيبات اللازمة لم تنجز بعد، لكنها تحتاج إلى هذا العنوان لتحضير الأرضية المناسبة لرئيسها المقبل".
بالنسبة إلى هذه المصادر، المطلوب من وجهة نظر الولايات المتحدة تسهيل مهمة الرئيس المقبل، كي لا يصطدم بالعديد من المعوقات في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الدخول الروسي على المشهد العام، لا سيما في ظل مشاركة موسكو المباشرة في الحرب السورية، وبالتالي كان من الضروري حجز مواقع نفوذ لا يمكن التنازل عنها بأي شكل من الأشكال، وتشير إلى أن دوائر صنع القرار الأساسية هي من رفضت الموافقة على إتفاق يكرس الهزيمة الأميركية في سوريا، على أمل تعديل موازين القوى في العهد الجديد، للوصول إلى إتفاق سياسي يضمن مصالح واشنطن الأساسية.
في هذا الإطار، يأتي الإعلان عن إنطلاق معركة تحرير الرقة، بالرغم من عدم إنتهاء العملية العسكرية الكبيرة في الموصل، في ظل التناقض في مواقف حلفاء واشنطن على الأرض السورية، أي الأكراد وتركيا، حيث يُصر كل فريق منهما على إستبعاد الآخر بأي ثمن، لا بل إمكانية وقوع صدامات بينهما في أي لحظة أمر لا يمكن أن يستبعد من ضمن الحسابات المفترضة.
من وجهة نظر المصادر المتابعة، الإدارة الأميركية لجأت إلى الخيار المفضل بالنسبة إليها في المرحلة الراهنة، أي تأجيل الأزمات إلى العهد الجديد، فواشنطن وافقت على إستبعاد أنقرة من الرقة إرضاء للأكراد، لكنها في المقابل حرصت على الحديث عن إتفاق بعيد المدى مع تركيا، يضمن مشاركتها في عمليات تحرير هذا المعقل السوري لتنظيم "داعش" بالإضافة إلى عدم بقاء "قوات حماية الشعب الكردي" في المدينة، بالرغم من أن أنقرة أبدت عدم ثقتها بالوعود الأميركية، نظراً إلى أنها في السابق حصلت على أخرى متعلقة بضمان إنسحاب "قوات سوريا الديمقراطية" من مدينة منبج لكنها لم تنفذ.
أمام هذه الوقائع، تطرح المصادر نفسها جملة من الأسئلة، التي ترى أنها ستكون مطروحة على بساط البحث في الأيام المقبلة، أبرزها يتعلق بالموقف التركي في حال عدم إيفاء الولايات المتحدة بوعودها، لا سيما أن لا شيء يجبر الأكراد على التخلي عن أراض دفعوا الثمن من دمائهم لتحريرها من "داعش"، وتعتبر أن هذا الأمر قد يؤدي إلى إندلاع نزاع بين الجانبين لن تكون أميركا قادرة على إدارته بكل سهولة، لأنه يمثل تهديداً لأمن أنقرة القومي، ويشكل خطراً على الوجود بالنسبة إلى الأكراد.
ما تقدم لا يلغي، بحسب ما ترى هذه المصادر، الدور الروسي الذي لن يقبل السكوت على أي تحول في الأرض السورية لا يصب في صالحه، وبالتالي موسكو ستسعى إلى إلغاء أي مفاعيل لهكذا إنتصار أميركي، خصوصاً أنها تدرك أن واشنطن ستسعى إلى طرد عناصر الجيش السوري من دير الزور، حتى ولو إضطرها ذلك إلى تسليمها بشكل كامل لـ"داعش"، وهو ما كان من المتوقع أن يحصل بعد الضربات العسكرية، من قبل طائرات التحالف الدولي، التي تعرضت لها مواقع الجيش في المدينة خلال إحدى المواجهات مع عناصر التنظيم الإرهابي.
في المحصلة، نجحت واشنطن في إطلاق عملية عسكرية قد تكون الأصعب على الإطلاق، لكن هذا لا يلغي المخاطر التي تحملها في طياتها، بسبب عدم قدرتها على الوصول إلى تفاهم ينهي الصراع المحتدم بين حلفائها، في وقت تعجز عن التخلي عن أي منهما في الوقت الراهن.