يعيش العرب والمسلمون قلقًا غير مسبوق بوصول دونالد ترامب الى السلطة في الولايات المتحدة الاميركية، بسبب تصريحات ترامب العنصرية تجاه المسلمين التي رافقت حملته الانتخابية والتي استاء منها الجميع وفضّلوا كلينتون التي عرفت بقدرتها على تدوير الزوايا أكثر.
وكما هومعروف دائمًا فإن خطاب المرشح يختلف عن خطاب الرئيس الذي يصبح رئيسًا مسؤولا عن شعب بكامله ولا يعود بحاجة للعب على الغرائز والعواطف لكسب الأصوات، لذا لن يكون هناك خوف على الأميركيين من أصول مسلمة الا لمن يثبت أنه يعيش بطريقة غير شرعية أو يقوم بأعمال غير مشروعة في الولايات المتحدة مثلهم مثل باقي المهاجرين غير الشرعيين الذين هددهم ترامب بمحاسبتهم وطردهم.
أما بالنسبة للشرق الاوسط، فيمكن التكهن بسياسة الولايات المتحدة في هذه المنطقة من خلال ما أعلنه ترامب عن سياسته الخارجية في وقت سابق خلال حملته، وبالاخص في ملفات ثلاث هي الاهم:
-الملف النووي الايراني: عارض ترامب الاتفاق النووي الايراني واعتبره مضرًا بالولايات المتحدة، وكسب بذلك تأييد اللوبي اليهودي في أميركا وتأييد نتنياهو أيضًا، ولكن تجدر الاشارة الى أن الاتفاق النووي الايراني هو اتفاق دولي صدر بموجبه قرار من مجلس الامن الدولي بموجب الفصل السابع أي انه ملزم لكافة الدول، كما يعني عدم قدرة الاميركيين على تعطيله، كل ما يمكن للأميركيين أن يقوموا به هو الضغط على شركاتهم لعدم الاستثمار في السوق الايراني، وهذا يضر بالشركات الأميركية بالدرجة الاولى، أو أن يقوموا بفرض عقوبات آحادية جديدة على ايران وهذا لن يؤثر كثيرًا على الايرانيين، لأن السوق العالمي مفتوح أمامهم.
-الموقف من الارهاب: تعتبر كلينتون أنه يمكن اعتماد "الصبر الاستراتيجي" مع الارهابيين في سبيل تحقيق مكاسب أكبر هي إعادة تشكيل الشرق الاوسط، والاطاحة بالنظام السوري و"منعه من قتل المدنيين" كما عبّرت هي في مناسبات عدة وكما عبرت المجموعات الموالية لها ضمن وزارة الخارجية الاميركية في رسالة اعتراضيةغير مسبوقة تمّ تسريبها الوسائل الاعلام لاحراج الرئيس الأميركي باراك اوباما.
بينما يعتبر ترامب ان كلينتون والادارة الاميركية هم من صنعوا الارهاب وقاموا بتكبيره الى أن أصبح وحشًا لا يمكن السيطرة عليه، لذا يجب القطع مع الممارسات السابقة ومحاسبة المسؤولين عن تمويل الارهاب من الدول الخليجية، والتي كما كشفت ويكليكس عن كلينتون"انها كانت تعرف ان الحكومات القطرية والسعودية نفسها هي من تموّل الارهاب، وليس بعض الافراد الاثرياء الخليجيين ولكنها غضت النظر وسهلت ذلك".
- الموقف من القضية السورية: أعلن ترامب صراحة أن أولويته القضاء على داعش وليس على الرئيس السوري بشار الاسد بعكس هيلاري كلينتون التي أعلنت أنها ستقطع مع سياسة اوباما المترددة، وستزيد من الدعم العسكري للمعارضة "المعتدلة" وخصوصاً الأكراد والمجموعات السنية كما أعلنت هي نفسها في تصريحاتها خلال الحملة، وقد ردّ ترامب خلال المناظرة التلفزيونية على كلينتون بقوله " من هم هؤلاء؟ أنت لا تعرفين من هي هذه المجموعات التي تريدين تسليحها، وهذا هو الخطأ نفسه الذي ارتكبتيه في السابق وساهم في نشوء داعش".
ويرى ترامب أن الحل في سوريا يجب ان يكون سياسيا بالتعاون مع الروس، وأن الأميركيين عليهم أن يتخلوا عن استراتيجية تغيير الأنظمة بالقوة.
انطلاقًا من كل ذلك، نجد أن القلق في منطقة الشرق الاوسط من وصول ترامب غير مبرر، بالعكس، فإن صَدَق ترامب في تنفيذ وعوده حول السياسة الخارجية في الشرق الاوسط، فقد يكون هذا الأمرمسهلاً للحل في سوريا،وقد نشهد حلاً للنزاع السوري في العام المقبل بالاتفاق بين الروس والاميركيين، لكن هذا التفاؤل قد يعرقله قدرة البنتاغون في هذه الفترة الفاصلة على قلب موازين القوى على الارض في سوريا، بحيث يصبح باستطاعته أن يفرض وجهة نظر مختلفة ضد روسيا على الرئيس الجديد. من هنا، فإن الأشهر الفاصلة بين 8 تشرين الثاني 2016 وشباط 2017، ستكون محفوفة بالمخاطر الميدانية في سوريا حيث سيعمد كل طرف الى محاولة قلب موازين القوى لصالحه، لكي يفرض وجهة نظره على الرئيس الأميركي الجديد.