عاشت العلاقات السعودية - المصرية مراحل متعددة، كانت في أغلبيتها علاقات صراع وتوتّر، وفي أفضل الحالات كانت في دائرة المُهادنة والمجاملة ولم ترتقِ إلى مستوى التحالف العميق والاستراتيجي بسبب اختلاف منظومتي الحُكم والفكر الديني، والتفاوت الطبقي بين البلدين وفق النظرة السعودية (الغني والفقير).. ويمكن استعراض هذه العلاقات وفق المحطات الآتية:
1- أول تماسّ بين الدولة السعودية الأولى والدولة المصرية كان في عهد الدولة العثمانية وحكم محمد علي باشا في مصر، وكانت علاقة "حرب" ومرحلة دموية انتهت بإلقاء القبض على زعيم الدولة السعودية عبد الله بن سعود وزعماء الوهابية وسوقهم إلى تركيا، حيث أُعدموا وقُطعت رؤوسهم في عام 1818، بواسطة الحملة المصرية ضد الوهابية السعودية بقيادة إبراهيم باشا ووصوله إلى الدرعية عاصمة الوهابية - السعودية، ومنطلق الدعوة الوهابية.
2- المحطة الدامية الثانية بين مصر والسعودية كانت في حرب اليمن عام 1962، لدعم الثورة ضد حُكم الإمام، وكانت السعودية وبريطانيا في الجبهة المضادة للثورة التي يدعمها الرئيس جمال عبد الناصر، وانتهت هذه الحرب بعد استنزاف الجيش المصري، لتأتي نكسة حرب حزيران 1967، وكانت هذه ذروة الصراع بين ما اتُّفق على تسميته الصراع بين الرجعية العربية (بقيادة السعودية)، وبين الحركة التقدمية والثورية العربية.
3- المحطة الثالثة: الخلاف العقدي بين الأزهر الشريف؛ المرجعية المركزية العالمية لأهل السُّنة والجماعة، والذي تعرّض للإلغاء والتهميش ومصادرة دوره من قبَل السعودية لصالح المذهب الوهابي؛ رائد الحركات "السلفية" التكفيرية، واستطاعت السعودية "الانتصار" على الأزهر عالمياً وصولاً إلى عُقر داره المصري، بواسطة المال السعودي، وتسهيل الدول وأجهزة المخابرات الغربية لتأسيس المراكز الإسلامية والمساجد تحت رعاية الوهابية السعودية، لتثبيتها على كرسي زعامة العالم الإسلامي.
هذه العلاقات التاريخية المأزومة بين مصر والسعودية كرّست منظومة الصراع على الدور "المرجعي" بين الدولتين على مستوى زعامة العالم العربي من جهة، وعلى الاحتفاظ بالمرجعية الدينية للعالم الإسلامي (السُّني) من جهة ثانية، والتي تصارع السعودية لانتزاعه من مصر وضمّه إلى قائمة ممتلكاتها، عبر الإشراف والتحكُّم بالمقدسات الإسلامية (مكة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة)، لتثبيت السعودية في موقع "فاتيكان إسلامي" مدجَّج بالأسلحة والتكفير والمال.
إن ما يستفزّ الشعب المصري ونظامه الحاكم هي النظرة الفوقية التي تتعامل بها السعودية مع مصر، نتيجة الأزمة الاقتصادية، فتحاول شراء جيشها للقتال في اليمن نيابة عنها، وشراء الموقف السياسي، وكذلك شراء جزيرتي "صنافر وتيران"، كمرحلة أولى ستتبعها صفقات جديدة لمرتكزات الاقتصاد المصري، وبالتالي ترسيخ علاقة سياسية واقتصادية ترتكز على منظومة "السيد" و"العبد"؛ في إعادة لتاريخ "الرقيق" السياسي على مستوى الدول وليس على مستوى الأفراد.
تحاول السعودية تثبيت زعامتها على العالم العربي بداية، ثم زعامة العالم الإسلامي، عبر وسيلتي المال والتكفير، حيث تفرض مواقفها على الدول العربية الفقيرة بالترغيب المالي والترهيب الاقتصادي، وشراء الإعلام الغربي والعربي، وكذلك الشخصيات والأحزاب والجماعات السياسية، أما مع الدول القوية والمحصَّنة (سورية والعراق واليمن ومصر..) فإنها تضيف إلى منظومة المال الوسائل العسكرية والأمنية والتخريبية عبر الجماعات التكفيرية، بحيث تؤسس لكل بلد جماعة تكفيرية مسلَّحة، ففي مصر "أنصار بيت المقدس" وفي سورية "داعش" و"النصرة"، وكل أخواتهما في العراق؛ من الزرقاوي إلى "داعش"، وفي تونس "أنصار الشريعة"، وفي نيجيريا "بوكو حرام"..
مصر والسعودية تاريخ من الصراع المستمر على الدور والمرجعية، والأرجحية فيه لصالح مصر، بسبب تفاوت عناصر القوة والتأثير، ماعدا المال السعودي، الذي سينتهي مع انتهاء عصر النفط التي تحاول السعودية التعويض عنه باحتلال اليمن.