منذ لحظة إنتخاب المرشح "الجمهوري" دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، بدأت تحليلات تتحدث عن قرب التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، في ظل المواقف التي أعلن عنها الرئيس الأميركي الجديد خلال حملته الإنتخابية، لا سيما على صعيد الذهاب إلى التقارب مع الجانب الروسي، لكن وسط الحالة الضبابية التي تسيطر على المشهدين الإقليمي والدولي لا يبدو أن الكثير من الأمور قابلة للتبدل.
في واشنطن، لا يملك الرئيس وحده سلطة أخذ القرار في القضايا الكبرى، هو جزء من سلسلة طويلة تضم مؤسسات أخرى، من دون إهمال جماعات الضغط التي تلعب دوراً أساسياً على هذا الصعيد، الأمر الذي يحتم الإنتظار لبعض الوقت لتبيان الخيط الأبيض من الأسود.
تعقيدات كبرى
في هذا السياق، يشير الكاتب والمحلل السياسي عماد رزق، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن واقع الأزمة السوريّة مرتبط إلى حدٍّ بعيد بالسياسات الخارجية والتوازنات الإقليمية، حيث هناك عدد من القوى الخارجية التي تتدخل على أرض الواقع، وهي شريكة في هذه الأزمة عبر ضخ الأموال ودعم الجماعات المسلحة.
بالنسبة إلى رزق، الموضوع السوري طويل ومعقد ولا يمكن حلّه على مستوى عقد قمّة أو حوار بين الحكومة والمعارضة، ويلفت إلى أنه في الجانب الدولي هناك السياسات الروسية الواضحة، في حين أن الإدارة الأميركية لم تستطع تبني الإتفاق مع موسكو، لكن اليوم هناك إنتظار لوصول ترامب، الذي من المؤكد أنه لن يتدخل فوراً، لكن في ظل مواقفه المعادية للإسلام والداعية لإعادة النظر بالإتفاق النووي الإيراني، قد تصبح السياسة الخارجية الأميركية أكثر تعقيداً.
بالتوازي، يشير رزق إلى الدور التركي الذي يريد التحرك من خارج أرضه في حال الضغط، بالإضافة إلى الجانب الإسرائيلي الذي سيسعى إلى تحسين أوراقه ويريد أن يكون موجودا في التوازنات الإقليمية، وبالتالي هو قد يتحرك على أي مسرح.
من جانبه، يوضح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق بسام أبو عبدالله، في حديث لـ"النشرة"، أن الأوضاع الحالية هي في مرحلة تريّث، لا سيّما أن مواقف الرئيس الأميركي المنتخب تحتاج إلى الكثير من التوضيح، ويوافق على معادلة أن التصريحات في المرحلة الإنتخابية مختلفة عما ستكون عليه بعد تسلّمه السلطة، خصوصاً أنه سيكون قد إطّلع على التقارير السريّة، التي ستضعه بصورة مختلفة على مصالح الولايات المتحدة حول العالم.
من وجهة نظر أبو عبدالله، نتيجة الإنتخابات توحي بأن هناك رغبة في الداخل الأميركي بالتغيير، ويلفت إلى أن ترامب يحدّد أولوياته بالتركيز على الإقتصاد، الأمر الذي قد يقود إلى لغة مشتركة مع الصين وروسيا، لكنه يحذّر من بعض الأسماء التي من المرجّح أن تكون ضمن الإدارة الجديدة، خصوصاً أنها تنتمي إلى فريق المحافظين الجدد، ويسأل: "هل سيعيد ذلك سياسة الرئيس السابق جورج بوش الابن"؟.
الفوضى مستمرة
من وجهة نظر رزق، كل التعقيدات تعطي إشارة بأن الفوضى مستمرة على الساحة السوريّة، ومن الممكن أن يكون هناك تداعيات على البلدان المجاورة بشكل أو بآخر، ويضيف: "المعركة اليوم في الباب ومحيط حلب وعلى ضوئها من الممكن أن ترسم معادلة جديدة".
وفي حين يؤكد رزق أن الإتجاه في الأزمة السورية لا يزال عسكرياً، يتوقع أن تشهد هذه الساحة الكثير من الكرّ والفرّ بهدف السعي إلى تحسين الشروط الميدانيّة، ولا يعوّل كثيراً على كلام ترامب خلال الحملة الإنتخابية، نظراً إلى وجود عدد المؤسسات التي تشارك في صنع القرار الأميركي، ويعتبر أن مواقفه مؤشر إيجابي لكن في الميدان فالأجهزة الأمنية والعسكرية لها سياسات مختلفة وستبقى مستمرّة، كما أن هناك جماعات الضغط الفاعلة في واشنطن.
بدوره، يوضح أبو عبدالله أن ليس هناك من لديه مشكلة بالتعاون مع الولايات المتحدة، لكن الأزمة هي في سياسة الهيمنة الأميركية، بالرغم من أن الواقع الميداني السوري أصبح أكثر تعقيداً بالنسبة إلى الجماعات المتشددة، التي تعيش حالة من التراجع والتفتت والفشل المتزايد، ويرى أن من الممكن بناء على ذلك إبرام تفاهمات مع الولايات المتحدة بحال التوصل إلى رؤية مشتركة.
على صعيد متصل، يتوقع أبو عبدالله أن تكون المرحلة الفاصلة بين إنتهاء عهد أوباما وتسلم ترامب السلطة فرصة للجانب الروسي لحسم الواقع في مدينة حلب، سواء كان ذلك عسكرياً أو بطريقة أخرى، ويلفت إلى أن موسكو لم تقدم على هذا الأمر خلال فترة الإنتخابات الأميركية كي لا تؤثر في مسارها.
في المحصّلة، حالة الترقب والإنتظار التي تسطير على الشرق الأوسط، في الوقت الراهن، تشمل الساحة السوريّة التي تعيش على وقع مجموعة من التناقضات المختلفة، لكن قد تكون فرصة لجميع الأفرقاء للعمل على تحسين أوراق قوّتهم العسكرية، تمهيداً للإستفادة منها على الصعيد السياسي في مرحلة لاحقة.