عبّر دونالد ترامب عن عداء واضح للصين في خلال حملته الانتخابية. ما موقف الصين الرسمي من وصوله إلى سدة الرئاسة في البلد الذي يعدّ أكبر شريك للصين، وأبرز خصومه؟
"صحيح أنّ بعض تصريحات دونالد ترامب تجاه الصين بدت سلبية، لكن هذه التصريحات صدرت عنه قبل الانتخابات. فلننتظر ونراقب تصريحاته وأفعاله في خلال المرحلة المقبلة"، يقول سفير الصين في لبنان، وانغ كجيان، خلال لقائه مع "الأخبار" أمس.
يشير الديبلوماسي الصيني إلى أنّ حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة يبلغ 500 مليار دولار سنوياً، ويستنتج أنّ أي حرب اقتصادية بين البلدين "سيدفع ثمنها الاقتصاد الأميركي". ومعروف أنّ ترامب كان قد صرّح في أثناء حملته الانتخابية بأن "الولايات المتحدة الاميركية هي في حالة حرب اقتصادية مع الصين"، مضيفاً أن "لدينا القوة الاقتصادية للتفوق على الصين".
يستند كلام السفير الصيني إلى دراسة طبيعة التبادل التجاري بين البلدين، إضافة إلى مراجعة للتجارب السابقة. فعندما قرر الرئيس باراك أوباما، في مطلع عهده، رفع رسوم استيراد الإطارات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة 35 بالمئة، ردت الصين برفع رسوم استيراد قطع السيارات والدجاج الأميركي إليها، ما أدى إلى تقدّم الطرفين بشكاوى إلى منظمة التجارة العالمية. لكن في المحصلة، لم يؤدِ الموقف الاميركي إلى زيادة إنتاج وبيع الإطارات المصنوعة محلياً، بل إلى ارتفاع مستوى استيراد الإطارات من دول أخرى بأسعار مرتفعة أكثر من أسعار الإطارات الصينية.
ترامب وعد ناخبيه بأنه سيرفع رسوم استيراد البضائع الصينية بنسبة 45 بالمئة بهدف تشجيع الإنتاج الصناعي الأميركي، بينما يبدي وانغ اعتقاده بأنّ الرئيس المنتخب لن يفعل ذلك "لأنه يعلم أن هذه السياسات لا تخدم الاقتصاد الأميركي، ولا تزيد حجم الصناعة المحلية الأميركية".
ولكن ماذا عن الخلل في توازن التبادل التجاري بين البلدين؟ ألا يفترض أن يعالج الأميركيون، عبر قيادتهم الجديدة، مشكلة حجم استيراد البضائع الصينية مقابل حجم استيراد الصين لبضائعهم؟ "هذا الوضع لا تتحمل مسؤوليته السياسات الاقتصادية الصينية، ولا بدّ من التوضيح أن عملية الإنتاج في كل من البلدين تختلف جذرياً، إذ إن الولايات المتحدة تركز على الإبداع في التصميم التكنولوجي، بينما تعتمد الصين على مهارة الصناعات الكبرى"، يجيب وانغ.
لا تتحمل بكين
مسؤولية الخلل في ميزان التبادل التجاري مع واشنطن
ويضيف بصورة تؤكد النهج الصيني الذي يستجدي الربح مقابل ربح الخصم (لا خسارته)، أنّ "اقتصاد الولايات المتحدة يتكامل مع اقتصاد الصين". وكان الرئيس الصيني، شي جينغ بينغ، قد بعث أخيراً برسالة تهنئة إلى الرئيس الاميركي المنتخب، ذكر فيها أن الصين "تتطلع إلى مزيد من النمو في علاقاتها الديبلوماسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة الأميركية خدمة لمصلحة البلدين".
وبهدف تكوين مفهوم أوضح لطبيعة الخلل في ميزان التبادل التجاري بين البلدين، يشرح وانغ أنّ أرباح الصين ليست بالحجم الذي يتخيله البعض، حيث إن الشركات الأميركية تبيع مثلاً حذاءً رياضياً ماركة "نايك" بسعر 120 دولاراً أميركياً، بينما كلفة تصنيعه في الصين تبلغ 45 دولاراً (سعر القماش 35 دولاراً والنعلة الخاصة 10 دولارات يضاف إليها مبلغ زهيد لا يتجاوز 8 دولارات أميركية لليد العاملة). وبالتالي، يتجاوز ربح الشركات الأميركية 30 بالمئة (بعد احتساب كلفة النقل والتسويق والتوزيع)، بينما يقلّ ربح الشركات الصينية عن 6 بالمئة.
وفي مجال الإلكترونيات، ما زالت الصين تعجز عن إنتاج جهاز "سي بي يو" للهواتف الذكية، وبالتالي إنّ حجم استيراد الـ"سي بي يو" من الولايات المتحدة يتجاوز 2 مليار دولار أميركي سنوياً. أما بشأن الصناعات الثقيلة، والحديد خصوصاً، فإنّ لدى الصين فائضاً في الإنتاج، لكن بينما يعترف وانغ بأنّ بلاده تبيع "الحديد بأسعار متدنية لتصريف"، يوضح أنّ "الهدف ليس إلحاق الضرر باقتصادات الدول الأخرى المنتجة للحديد، بل تغطية حاجات الأسواق العالمية من جهة والتخفيف من التلوث البيئي من جهة ثانية حيث إنّ تخزين الحديد يؤدي إلى تلوث بيئي كنا قد تعهدنا دولياً أن نعمل على خفضه".
وعن السياسات الدولية للرئيس الأميركي الجديد، "يُرجّح أن يركز ترامب خلال الشهور الأولى بعد توليه الرئاسة على القضايا الداخلية الأميركية، وسينتقل بعد ذلك إلى الشأن الدولي. فلننتظر ونراقب".
مع روسيا في سوريا
بالنسبة إلى الوضع في سوريا، يشدد السفير الصيني لدى بيروت وانغ كجيان، الذي كان سفيراً للصين لدى دمشق قبل انتقاله إلى بيروت، على "تطابق الموقف الصيني مع الموقف الروسي". وأكد أن لا وجود عسكرياً صينياً في سوريا، ولا وجود لسفن أو طائرات حربية في المنطقة حالياً، لكنّ الصين "تدعم الجهود العسكرية الروسية لمكافحة الإرهاب الدولي في سوريا". ولكن هل تؤيد الصين تدخل حزب الله في سوريا؟ يجيب السفير بالقول: "نحن نحترم سيادة الدول، وإن تدخل بعض القوى في سوريا جاء بناءً على طلب رسمي من الدولة السورية، وذلك لمحاربة المجموعات التي صنفها مجلس الأمن الدولي إرهابية، وهي داعش وجبهة النصرة".
الصناعات العسكرية
يؤكد وانغ أن الصناعات العسكرية الصينية تتطوّر باستمرار، مشيراً إلى تمكن الجيش من إنتاج مقاتلات من الجيل الثاني (جي 20) وصواريخ متطورة مضادة لحاملات الطائرات، إضافة إلى الجيل الجديد من المدمرات والسفن الحربية.
ويشرح أن التكنولوجيا الصينية أتاحت إطلاق أقمار صناعية حديثة للاستخدام المدني والعسكري، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنّ بلاده اشترت "حاملة طائرات من أوكرانيا، نستخدمها حالياً للتدريب، ونقوم بإعادة تجهيزها".
أما بشأن احتمال الإسهام الصيني في تسليح الجيش اللبناني عبر تزويده بصواريخ دفاعية متطورة، فيقول السفير إنّ هذا الأمر هو مدار بحث بين قيادة الجيشين، مضيفاً أنّ "القيادة السياسية الصينية تأخذ بالاعتبار حاجات الجيش اللبناني، وهناك تواصل مستمر، وكنا قد قدمنا دعماً لوجستياً، ودعماً في إطار إزالة الألغام".
أميركا في بحر الصين
"من حقنا أن نطوّر منشآت عسكرية في أراضينا، بما فيها جزرنا في بحر الصين الجنوبي"، يعلن السفير وانغ. وبينما يوضح أنّ "هذه المنشآت تحمي الملاحة المدنية الدولية، وتُسهم في تنظيم حركتها وتقدم لها الخدمات المطلوبة"، يستدرك بالإشارة إلى أنّ المغامرات الأميركية عبر إرسال السفن الحربية إلى بحر الصين الجنوبي، تعدّ استفزازاً وافتعالاً للمشاكل في المنطقة من خلال تحريض الفيليبين ضد الصين مثلاً. إنّ "السياسة الدولية الصينية تشدد على حل النزاعات والخلافات من خلال المفاوضات والبحث عن الحلول السلمية، ونحن نسعى إلى ذلك باستمرار"، يختم الديبلوماسي الصيني.