أعلنت «قوات سورية الديموقراطية» أنّها بدأت معركة عزل تنظيم «داعش» في الرقة، بعدما اشترطت استبعاد تركيا من هذه العملية التي سُميت «غضب الفرات»، لكنّ الذي ردّ على الطلب الكردي كان المبعوث الخاص لقوات التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» بريت ماكغورك، الذي قال إنّ واشنطن على اتصال «وثيق جداً» بحليفها التركي بشأن معركة تحرير الرقة السورية، ثم إعلان رئيس أركان الجيوش الاميركية المشتركة جوزف دانفورد بعد عودته من انقرة أنّ التفاهمات تمت بين الجانبين حول تفاصيل معركة الرقة وخططها.ما هي شرعية التفاهم التركي الأميركي الأخير الذي كشف قائد الاركان الأميركي عنه، وتتجنّب أنقرة حتى الساعة مناقشة تفاصيل مواده في العلن؟ كيف ستتعامل موسكو ودمشق وطهران وبغداد التي تحارب داعش في سوريا والعراق مع اتفاقية لا يعرفون أي شيء عنها بعد؟
تركيا تقول إنّ المشكلة ليست في دخول القوات الكردية الرقة، بل في إخراجها منها كما سيحدث في أكثر من مكان في شمال العراق مع الحشد الشعبي. فهل قدّمت واشنطن ضمانات لحلفائها الأتراك أنّها لن تكرّر الخطأ الذي ارتكبته في العراق عام 2003؟
الملفت طبعاً هو أنّ المحادثات التركية الاميركية سبقت توجّه الناخب الاميركي الى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسه المقبل. فهل تلزم هذه الاتفاقيات الادارة الجديدة في البيت الابيض، التي تتابع عن قرب عمليات الحشد والتعبئة العسكرية التركية وإعلان حال الاستنفار العام على طول الحدود التركية مع سوريا والعراق، التي تتجاوز الألف ومئتي كلم حيث يبرز السؤال: إذا كانت القوات التركية لن تشارك في معارك الموصل والرقة فلماذا كلّ هذا الاستنفار العسكري التركي؟
المواقف التركية والأميركية تلتقي عند ما قاله الجنرال ستيفن تاونسند، وهو أكبر قائد عسكري أميركي في العراق، إنّ مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية لن تدخل الى الرقة. لكنّ واشنطن المتمسّكة بالتعاون مع الوحدات الكردية تصرّ على منحها جائزة ترضية، حول الدور الذي تريده في المشاركة العسكرية من خلال مساهمتها في عملية قطع خطوط إمدادات داعش الرابطة بين الرقة والموصل، في إطار الدائرة الجغرافية الثانية لساحة العمليات، وهو ما قبلته أنقرة ربما، لكنّها ترفض إعلانه حتى لا يتحوّل الى اعتراف بصالح مسلم وقواته.
تركيا تريد إثبات خطأ وصعوبة تنفيذ السيناريو الأميركي في الرقة عبر الرهان على الوحدات التركية لتحرير المدينة، لكنّ الحكومة التركية عليها أن تأخذ في الاعتبار احتمال حدوث مفاجآت تخدم أهداف الأميركيين والأكراد في الرقة أيضاً مثل الانسحاب المفاجئ لقوات داعش من المكان او مسارعة قوات النظام في سوريا للالتحاق بمعركة الرقة للسيطرة على المدينة وتسلّمها من صالح مسلم.
قبلت أنقرة ترك واشنطن على حالها هناك مقابل تمسكها بموقفها حيال خطورة إشراك صالح مسلم وانصاره في العملية اولاً، ثمّ تذكير الإدارة الأميركية ثانياً أنّ ما تفعله لا يخدم الصداقة والعلاقة التاريخية بين البلدين وأنّ الإدارة الأميركية ستتحمّل لوحدها ارتدادات وتبعات نتائج سياستها في شمال سوريا.
نفهم من التفاهم التركي الأميركي أيضاً أنّ قوات الحشد الشعبي العراقية لن تدخل الرقة لمحاربة داعش كما كانت تريد، إلّا اذا تلقت دعوة مباشرة من بشار الاسد كما حدث مع مجموعات حزب الله في لبنان.
فهل يفعل ذلك النظام السوري لقطع الطريق على التفاهم الاميركي التركي، أم محاولة منه لكسب القوات الكردية الى جانبه، في حال فشلت في تخطي العقبة التركية ووجدت نفسها وحيدة في الميدان؟
هل تركيا هي التي تراجعت عن تصلّبها وعنادها ضد حزب الاتحاد الديمقراطي ورفض أيّ تعاون أميركي معه، ام إنّ واشنطن هي التي نجحت في تليين الموقف التركي لتسهيل مواصلة عملية درع الفرات، وتقدم قوات الجيش السوري الحر بالتنسيق مع القوات التركية نحو الباب دون مشاكل كردية؟
سؤال آخر هو الاهم في كل هذا النقاش، ما هي مشروعيّة التنسيق بين واشنطن وقوات صالح مسلم سوريا في صفوف الحكم والمعارضة على السواء وما هي ارتداداتها على الجانبين؟
هل ما تفعله الوحدات الكردية هو مجرد قرار الحرب على داعش لإخراجها من الرقة، في إطار خطة الدفاع عن سوريا ووحدتها وتماسكها أم إنّ ما تقوم به تركيا في العراق وشمال سوريا، هو وحده الذي يعطي الحق للبعض لإعلام انقرة بضرورة التذكير بسيادة البلدين وعدم تهديدهما؟
قوات كردية تحصل على أسلحة متطوّرة متوسطة وثقيلة من قبل دولة ثالثة تحملها الى سوريا، لكنّ المستهدف فقط هو التدخل التركي العسكري، ورفض دعم وتسليح الجيش السوري الحر، أوليس في الامر بعض الغرابة؟
وكيف ستسترد واشنطن السلاح المتطوّر والثقيل الذي تقدّمه إلى الوحدات الكردية منها بعد انتهاء معركة الرقة؟ هل عندها الرغبة حقاً في استرداداه أم إنّها ستتركه معها لتنفبذ مهام اخرى؟
نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش يقول إنّ اميركا اختارت المجموعات الكردية التابعة لصالح مسلم لتحقق لها ما تريده في سوريا، لكنّ واشنطن ستكتشف أنّ ما تفعله سينعكس سلباً عليها، وأنّ شراكتها هذه خاطئة. فهل عدم مشاركة تركيا في العمليات البرّية لمعركة الرقة يُعتبر انتصاراً لقوات صالح مسلم؟
الجواب أتى مباشرة من المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر الذي أعلن أنّ واشنطن وأنقرة تتباحثان بكثافة حول آخر التطورات الميدانية الحاصلة سواءٌ في سوريا أو في العراق، ومَن سيتسلّم الرقة بعد تحريرها من تنظيم داعش، وأنّ زيارة رئيس هيئة الأركان الأميركية إلى تركيا قبل يومين تؤكّد عمق التعاون القائم بين البلدين. هل يكفي ذلك انقرة لتضع رأسها باطمئنان على الوسادة الأميركية؟
لا طبعاً، ففي الوقت الذي كان قائد القوات التركية يطالب واشنطن بزيادة دعمها لمعركة تحرير الباب التي تقودها تركيا في درع الفرات ضد داعش، كان وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر يعلن أنّ بلاده ترحّب بانطلاق عمليات تحرير الرقة، وأنّ واشنطن ستدعم القوات الكردية لمحاربة التنظيم هناك.