منذ بداية الحرب السورية، انقطع حزب الله عن عروضه العسكرية الضخمة التي كانت تشهدها ساحات الضاحية الجنوبية لبيروت، وخصوصاً تلك التي كانت تقام بمناسبة "يوم القدس العالمي" في شهر رمضان من كل عام. خمس سنوات ونيّف ابتعد فيها حزب الله عن ابراز قدراته العسكرية والأمنية والتكتيكية أمام العالم وبحضور أمينه العام السيد حسن نصرالله.
وطرح غياب العروض العسكرية عدة تساؤلات في حينها عن تراجع القدرة لدى حزب الله في اقامة هكذا عروض واكتفائه بعدد من الاحتفالات في المجمعات وفي بعض القرى، رغم تأكيد الحزب في العديد من المرات أن غياب هذه العروض سببها الأوضاع الأمنية المتردية.
إلا أن ما انتشر من صور لعروض عسكرية ضخمة للحزب في مدينة القصير السورية، والتي كان قد سيطر عليها عام 2013 بعد معارك عنيفة، انهى الكثير من هذه التساؤلات التي كانت مطروحة. وقد شارك في العرض المئات من عناصر الحزب مستخدمين المدرعات حيث ظهروا على هيئة الجيش المنظم مارّين أمام منصة تواجد فيها رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين ممثلاً نصرالله، وذلك بمناسبة "يوم الشهيد" الذي يحتفل فيه الحزب.
اذاً، اختلفت المناسبة والمكان والشخصية القيادية الحاضرة، الا أن المغزى واحد: حزب الله يعرض قدراته العسكرية الجديدة في أرض كان قد سيطر عليها في واحدة من أقوى المعارك له في سوريا. فما الهدف من هذا العرض؟ ولماذا تم اختيار هذا التوقيت الاقليمي والمحلي؟
تؤكد مصادر مطلعة عبر "النشرة" أن "العناصر التي شاركت في العرض العسكري هي العامود الفقري العسكري للحزب في سوريا وهي ألوية تتفرع من "قوات التدخل" فيه والتي تخضع لتدريبات كبيرة"، لافتة إلى أن "ما شهده هذا العرض كان مغايراً لكل ما سبقه نظراً للأسلحة المستخدمة والآليات التي كانت موجودة".
وعن مكان تنفيذ هذا العرض، ترى المصادر أن "اختيار منطقة القصير له أهدافه المعنوية والتكتيكية بالنسبة للحزب. فأولاً، خسر الحزب العديد من مقاتليه أثناء معركته للسيطرة على المدينة ما خلق لهذه المدينة بعداً وجدانياً لدى مقاتليه. وثانياً، تعد هذه المدينة واحدة من المدن التي تخضع بشكل شبه كامل لسلطة الحزب، اضافة لقربها من الحدود اللبنانية"، ولفتت إلى أن "القرب من الحدود اللبنانية يسهّل عملية محاكاة العروض التي كانت تنفذ في السابق في الضاحية الجنوبية اضافة لكون هذه المنطقة أكثر أماناً من غيرها في سوريا لتنفيذ هكذا عروض".
وإذ شددت المصادر على أهمية تنفيذ هذا العرض في "يوم الشهيد" لما له من "قدسية" لدى الحزب، رأت أن "الرسائل التي تحملها كثيرة وأبرزها تعاظم قوة الحزب العسكرية والتكتيكية بعد مشاركته في سوريا على عكس ما يقال عن استنزافه هناك، اضافة لتأكيد جهوزية الحزب لأي حرب محتملة مع اسرائيل بعد التهديدات الاسرائيلية التي ترافقت مع فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعطى دعماً مطلقاً لاسرائيل".
مزجٌ بين الجيش الكلاسيكي والجيش غير النظامي يحاول حزب الله اتقانه، مفاجئاً الجميع بنموّ قدراته بشكل متسارع بسبب الحرب السورية. واختلفت الأزمنة والأمكنة الا ان رسالة حزب الله كانت واضحة "نحن هنا، ونحن بألف خير". هذا بعضٌ مما أراد حزب الله أن يوصله من عرض استمر لساعات عدة، الا ان الأكيد أن ما خفي هو الأعظم.