يبحث معارضو حزب الله كما حلفاؤه في الداخل اللبناني طويلا عن رسائل محلية حملها استعراضه العسكري في منطقة القصير السوريّة، فلا يجدون الا رسائل اقليمية ودولية ذات أبعاد استراتيجية تتخطى لبنان وكل ملفاته. الا أن انشغال الحزب بخطّ تلك الرسائل والأرجح تجنبه عن سابق تصور وتصميم ادخال مزيد من التعقيدات الى المشهد اللبناني المعقد أصلا، لم يحل دون دويّ انعكاسات كبيرة في معظم الأوساط المحلية وان كان القسم الاكبر من الفرقاء تجنبوا التعليق على الموضوع أو استثمار المشاهد الواردة من سوريا للتصعيد لبنانيا، تماشيا مع التسوية التي أتت بالعماد ميشال عون الى سدة الرئاسة وتم على أساسها تكليف النائب سعد الحريري تشكيل الحكومة.
صور عشرات الدبابات والعناصر المسلحة والأعلام الصفراء مرفرفة في أراض جُرفت بمعظمها لتتحول قاعدة عسكرية على الحدود الشمالية للبنان، لا يمكن أن تمر مرور الكرام، مع انطلاقة عهد شعاره "الرئيس القوي"، همه بناء الدولة، ضرب الفساد والشروع بعملية اصلاحية كبيرة... عناوين رنانة تغري عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين سرعان ما سيعودون لملامسة واقعهم الذي تكبله صراعات اقليمية ودولية وتحديد مصير المنطقة ككل. فتحول حزب الله من مقاومة مسلحة الى أشبه بجيش نظامي قد يتخطى بقدراته وامكانيته الجيش اللبناني لا يتناسب اطلاقا مع مفهوم الدولة القويّة، والأرجح لا يغري كثيرا الرئيس عون الذي لا شك كان يفضل الابتعاد عن استعراضات مماثلة تُحرجه على الأصعدة كافة. الا ان مصادر مطلعة على أجواء الحزب تصرّ على ان ليس هناك ما يُحرج رئيس البلاد أو اي مسؤول لبناني آخر، مستغربة من يسأل "اين الرئيس القوي من العرض العسكري الذي حصل في القصير؟" مجيبة ايّاه: "وجود رئيس قوي هو الذي جعل الحزب ينقل ميدان الاستعراض من الأراضي اللبنانية الى تلك السورية". وتضيف: "ليس هناك أحرص من الحزب على العماد عون وانطلاقة عهده بزخم، فنجاحه نجاح لنا وانتصاره بتبوّء سدة الرئاسة انتصار لنا".
واللافت ان ردات الفعل اللبنانية من استعراض حزب الله عسكريا في القصير بقيت بحدها الأدنى، ما أثار استغراب دوائر اقليمية ودولية أعربت عن قلقها من وصول معارضي حزب الله في الداخل اللبناني الى حالة غير مسبوقة من الرضوخ حتى على مستوى المواقف السياسية والبيانات المستنكرة. وهو ما ترده المصادر لـ"اقتناع الفرقاء اللبنانيين بأن الموضوع يتخطاهم وهو موجه مباشرة لاسرائيل وأميركا وغيرهما ممن يعتقدون انّه يمكن احتواء الحزب أو اخضاعه أو حتى كسره في أي تسوية سياسية مقبلة على سوريا". وتضيف المصادر: "ليس سرًّا ان اولويات الحزب الحالية ليست لبنانية على الاطلاق ومرتبطة بالمعركة الكبيرة الحاصلة في المنطقة والتي تأخذ بوضوح أبعادا دولية غير مسبوقة.. من هذا المنطلق كان قراره توكيل حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالملف الحكومي"، مؤكدة ان الوزرات لا تعني الحزب على الاطلاق وهو سيسير بحصة تلحظ له وزارة غير أساسية، الارجح الزراعة ووزارة دولة. وتضيف: "لو لم يكن سيستخدم قراره عدم المشاركة في الحكومة لأغراض شتى من قبل معارضيه الذين سيقولون حتى أنّه أُخرج بالقوة... لم يكن ليتردد بوهب حصته لحلفائه ولتسهيل مسار التشكيل!"
وبانتظار انتهاء الأطراف الاقليمية والدولية المعنية من "فكفكة" شيفرات استعراض القصير، سيكون على اللبنانيين من الآن وصاعدا التأقلم مع فائض قوة غير مسبوق لحزب الله الذي على ما يبدو نمّى قدراته خلال الأعوام الـ5 الماضية في سوريا، كثّف خبراته، وأمّن قاعدة عسكرية له على الحدود الشمالية للبنان، ما يُسقط اي بحث بضمه وعناصره الى كنف الدولة ويفتح النقاش حول مستقبل لبنان ومصيره بجناحي الدولة والحزب.