أعلن الرئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترامب أن أبرز مبادىء سياسته الخارجية ترتكز على مبدأ مقايضة حماية الدول والعائلات المالكة بدفع بدل مادي ومعنوي لأميركا.. ومع أن هذا المبدأ مارسته أميركا وبريطانيا مع ممالك وإمارات الخليج منذ "اتفاقية دراين" عام 1915م، وقبضت أثمانه الباهظة على المستويَين السياسي والاقتصادي، حيث كان من شروط تولّي العائلة المالكة السعودية الاعتراف بإعطاء فلسطين لـ"المساكين" اليهود والسيطرة على إنتاج النفط وأمواله، واحتكار صفقات السلاح الأسطورية للمصانع الأميركية أولاً، ثم البريطانية والغربية، وهذا ما تمّت ممارسته مع إمارات الخليج، بالإضافة إلى وجوب أن يتخرّج أولياء العهد والأمراء من الكليات العسكرية البريطانية خصوصاً.
لقد أعلن الرئيس الأميركي ترامب وجوب دفع نسبة مئوية من الإيرادات النفطية من قبَل كل الدول خليجية، من أجل الحماية والرعاية، حيث قال إن السعودية "دولة ثرية"، وعليها أن "تدفع المال" لأميركا، لقاء ما تحصل عليه منها سياسياً وأمنياً.
تصريحات "ترامب" أدخلت القلق والخوف في الخليج على مستقبل العائلات المالكة أولاً، ثم على مستقبل مواطني هذه الدول التي ستدفع ثمن الحماية من إنتاجها الوطني، والذي سينعكس على مستوى معيشتهم وقلقهم على أمنهم الاجتماعي والسياسي والأمني المرتبط بالحماية والابتزاز الخارجي كسيف مسلط على رقابهم، وتحويلهم إلى رهائن للسياسة والمزاج الانتخابي الأميركي، بدل الاعتماد على قدراتهم الذاتية، والتعايش السلمي مع محيطهم العربي والإسلامي.
وبناء على تصريحات ترامب يمكن استخلاص النتائج الآتية:
1- ديمومة أنظمة الحكم في الخليج تعتمد على الحماية الخارجية الأميركية وليس على القبول والمبايعة الشعبية.
2- أميركا ليس لها حلفاء أو أصدقاء، بل تعمل وفق نظام الشركة الأمنية والسياسية التي تبيع "زبائنها" منتجات الحماية والرعاية، فإذا تناقصت أرباحها مع هذا الزبون - الدولة أو الحاكم، استبدلته بزبون أو مشترٍ آخر.
3- لقد استدرجت أميركا دول الخليج (ماعدا الكويت وعُمان) إلى ميادين قتال عسكرية (اليمن وسورية والعراق، وبقية دول "الربيع العربي") واقتصادية (تخفيض أسعار النفط للضغط على روسيا وإيران..) وعقائدية (الوهابية والسلفية التكفيرية مع بقية المذاهب الإسلامية)، مما أرهقها واستنزف ثرواتها وزاد من أعداد أعدائها ومنافسيها، وتمّ تحميلها أعباء وأوزاراً أكثر من قدرتها، ويمكن أن تتركها لمصيرها إذا اقتضت مصالحها ذلك.
المصيبة الكبرى التي كشفها ترامب ولا يريد الملوك والأمراء رؤيتها والعمل بما يحمي بلادهم ومواطنيهم تتمثل في استبدال الحماية الخارجية بالحماية الداخلية من مواطنيهم، فبدل دفع المليارات للخارج وصرفها للتنمية والتطوير في بلادهم، لرفع مستوى المعيشة وتأمين الأمن الاجتماعي الذي يغنيهم عن الخارج وشروطه وإملاءاته التعسفية والقاسية، ويضمن بقاءهم على الأقل مع عائلاتهم بعد تركهم السلطة اختياراً أو كرهاً، وها هي أموالهم تضيع في البنوك الأميركية الغربية، خصوصاً بعد قانون "جاستا"، وغيره من القوانين الغربية.
نحن حريصون على إخوتنا في الخليج، فهم أشقاؤنا وإخوتنا في الدين والعروبة، ولا نشمت بهم إذا كادهم أعداؤهم (أصدقاؤهم المفترَضون)، وندعوهم للعودة إلى أمتهم وأشقائهم، وأن لا يستمروا بإشعال الحرائق والحروب التي دمّرت الأمة بناء لأوامر أميركا والغرب، حتى وصلت الحال ببعضهم للاستعانة بالعدو "الإسرائيلي" ضد اليمن وسورية وإيران.. وهذا العدو يبحث عمّن يحميه بعد عجزه وهزائمه المتكررة في لبنان وفلسطين، ومازالت الأبواب مفتوحة قبل فوات الأوان، فلا يمكن للمال أن يحمي دولة أو عائلة حاكمة أو شعباً إلى الأبد، وسينفد يوماً ما عاجلاً أم آجلاً.. وعندها لا ينفع الندم.