الحديث السابق عن إسناد وزارة الداخلية لـ"القوات اللبنانية"، ضمن التسويات التمهيدية لانتخاب الرئيس ميشال عون وتكليف الرئيس الحريري، قد تبخّر، ونسفه تمسُّك الرئيس بري بوزارة المال، وقابله الحريري بالداخلية في حكومة هي آتية لإنجاز الانتخابات النيابية، والحريري بحاجة عبر الإشراف المباشر على الانتخابات إلى لملمة شارعه الانتخابي الذي تشظّى بغيابه.
وببقاء وزارتين سيادتين (الدفاع والخارجية) من حصة الفريق المسيحي، انتفت إمكانية إسناد إحداهما إلى "القوات"؛ بالنظر إلى حساسية كل من الوزارتين على المستوى الوطني في هذه الظروف، و"الفيتو" الحتمي لحزب الله وحلفائه على توزير "قواتي" في إحداهما، وبدت الكرة وكأنها في الملعب المسيحي الذي تقف عنده التشكيلة الحكومية بكاملها، بانتظار التوافق على إسناد وزارة الخارجية إلى "قواتي - عوني" توافقي يشبه مروان شربل، لأن وزارة الدفاع محسومة من حصة الرئيس عون، ولا يبادلها بوزارة أخرى، بالنظر إلى ارتباطه العاطفي والوطني بالمؤسسة العسكرية التي هي "حبيبة العونيين".
ومع ذلك، ومع الحديث عن إعادة توزير المهندس جبران باسيل في الخارجية، وإرضاء العميد شامل روكز بخلافة العماد عون في مقعد كسروان النيابي، فإن قبول نائب رئيس الوزراء السابق عصام فارس بالعودة إلى الحياة السياسية عبر نيابة رئيس مجلس الوزراء ووزارة الدفاع، هو الذي يحلّ عقدة تشكيل الحكومة، مع إرضاء "القوات" بوزارتين أساسيتين، مع وزارة دولة إذا كانت الحكومة ثلاثينية.
لكن العقدة الأكبر هي أن الرئيس المكلف سعد الحريري يشكّل حكومته في عين التينة، والمسوَّدة يتم إعدادها بإشراف مباشر من الرئيس بري، الذي نجد أن الكل راض عن تأليفه الحكومة بالنيابة عن الحريري، لأنه يحمل في جيبه تفاويض تجعله صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في التأليف، لولادة حكومة لا يشكّل بيانها الوزاري أية عرقلة، لأنه موضوع إنشائي لا يقدّم ولا يؤخّر في حكومة قصيرة العمر، آتية لإنجاز الانتخابات النيابية، بصرف النظر عن قانون الانتخاب الذي ستُنجزه، وإن فشلت في الإنجاز، فإن تعديل قانون الستين ضمن الممكن سيكون المخرج الذي لا بد منه لتلافي التمديد الممنوع، ولو أن التمديد التقني لن يؤجل الانتخابات لأبعد من شهر تموز كحد أقصى قبل استحقاق موسم الاصطياف الواعد.
مشكلة التفاويض المعطاة للرئيس بري، يبدو تفويض حزب الله أسهلها عليه، لأن الحزب كما دوماً زاهد في نوعية الوزارات، لا بل حصته المتمثّلة بثلاث وزارات يعطي إحداها دون منة لحلفاء المقاومة (الحزب السوري القومي الاجتماعي)، لكن التفويضَين اللذين يشكلان عبئاً هما من "تيار المردة"، والمستقلين، وإذا كان المستقلون يرغب الرئيس بري بإرضائهم بوزارة فلأنه يحب الإجماع عليه من الجميع في الرئاسة المقبلة للمجلس النيابي العتيد، لكن تفويض "المردة" مقدّس شخصياً عند الرئيس بري؛ بالنظر إلى العلاقة الشخصية مع النائب فرنجية، الذي أودع لديه صك تحصيل حقوقه التي تحاول "القوات" السيطرة عليها وعلى حصة "الكتائب"، وفق ما أوردته وسائل الإعلام.
حكومة تبدو لا تشبه العهد ولا تشبه سيده المتواضع في مطالبه كما حزب الله، والوزراء الثلاثة المحسوبين له كرئيس جمهورية بمعزل عن حصة التيار الوطني الحر، لا ينص عليهم الدستور، لأن حصة الرئيس كانت تُعطى لرئيس الجمهورية عندما كان يأتي أعزلَ بلا كتلة نيابية، كالرئيسين السابقين لحود وسليمان، وتواضع الرئيس عون ليس لأنه لن تكون له وزارات وازنة، بل في رغبته بأسماء يقبلها الوطن، كل الوطن، بدليل بعض الأسماء التي تم تداولها في البداية أنهم من حصته، وعندما يحكى باسم "الوطني عصام فارس" والإعلامي الكبير جورج قرداحي من حصة الرئيس، فلأن الرئيس عون الذي لن يستطيع أن يأتي بحكومة تشبهه بالكامل، فهو على الأقل حاول أن يكون الوزراء الذين من حصته أن يكونوا على صورة ميشال عون ومثاله، وإذا فشل بفرض ذهنية التغيير والإصلاح على الحكومة الأولى في عهده، فإن الحكومة التي سوف تستولدها الانتخابات النيابية المقبلة قد تشبه نوعاً ما ميشال عون، شرط أن يحسن "الشعب العظيم" اختيار نوابه.