الأميركي الجديد دونالد ترامب عن البيتالأبيض تشكّل أكثر من مسافة فاصلة بين عهدين في السياسة الأميركية، إذ أنها قد تكرّس - إن صدقت وعود ترامب الانتخابية - عهداً جديداً من التعاون بين الأميركيين والروس في سورية.
ويواجه الأميركيون مشاكل عدّة في الشمال السوري ينبغي حلّها في هذه الفترة الفاصلة، أهمها:
1- السباق بين الأميركيين والروس على قلب موازين القوى الميدانية: يبدو من الواضح أن البنتاغون يسعى لتحقيق مكاسب عسكرية كاسرة للتوازن مع الروس وحلفائهم في سورية، خصوصاً في الشمال السوري، وذلك بعدما أفشل في وقت سابق اتفاق لافروف - كيري، وعطّل إمكانية عقد أي تفاهم بين وزارة الخارجية الأميركية والروس خلال الأشهر المتبقية من عهد أوباما.
في المقابل، يسعى الروس للحفاظ على تفوّقهم العسكري وقلب موازين القوى العسكرية لصالحهم، لفرض وجهة نظرهم على الإدارة الأميركية المقبلة، مع العلم أن المسار العسكري الروسي يقف إلى حد بعيد عند خطوط حمراء دولية لا يريد الروس أن يتجاوزوها، وهي الإبقاء على إطار للتعاون مع الأميركيين،وأن يصلوا في النهاية إلى أهدافهم السياسية برضى الولايات المتحدة وليس ضدها.
2- الابتزاز التركي للأميركيين، من خلال الصراع بالوكالة، عبر المجموعات المسلحة السورية، بين الأميركيين والأتراك داخل الأراضي السورية؛ فالاقتتال بين الفصائل المنضوية في "درع الفرات" في مدينة "أعزاز" للسيطرة على المعابر، وإن لم يكن مفاجئاً في حصوله، لكنه هام في توقيته وأهدافه قبيل انطلاق الحملة التركية نحو مدينة "الباب" السورية. أما السبب المعلن لهذه المعارك فهو اتهام "أحرار الشام" (الموالية للأتراك) لبعض الفصائل الأخرى بالخيانة، من خلال تمرير السلاح والمعلومات لـ"وحدات حماية الشعب الكردية"، وهذا الاقتتال والسيطرة على المعبر يُعدّ انقلاباً على تفاهمات سابقة بين الأتراك والأميركيين بتسهيل مرور السلاح والعتاد إلى الفصائل المدعومة أميركياً، والتي تقاتل باسم "قوات سورية الديمقراطية".
وقد يكون الأتراك في هذه اللحظة قد استوعبوا أن الأميركيين محرَجين اليوم بين عهدين متناقضين، لذا يحاولون الضغط عليهم عسكرياً وابتزازهم من خلال معادلة: إما القبول بالاحتلال التركي لمدينة الباب ثم الرقة، وإلا تحريض الفصائل السورية على إخراج الأميركيين عسكرياً من الريف الشمالي لحلب بكاملها؛ تماماً كما فعل أردوغان مع الأوروبيين حين نجح في ابتزازهم من خلال الضغوطات الإنسانية وتدفُّق اللاجئين.
3- الإحراج الأميركي بالتقاتل بين الحلفاء (الأتراك والأكراد)، والسباق المحموم لكل منهم نحو مدينة الباب الاستراتيجية لتحريرها، إذ يحتاج الأكراد للسيطرة على "الباب" لتحقيق التواصل الجغرافي بين كانتونَي "عفرين" و"عين العرب"، بينما تحقق تركيا من خلال الوصول إلى "الباب" والسيطرة عليها هدفين: الأول، منع الأكراد من تحقيق ربط جغرافي للإقليمين الكرديين اللذين تسيطر عليهما "وحدات الشعب الكردية"، أما الثاني فيكون في فرض الجيش التركي كمحرّر للرقة من "داعش"، ما يعني تحقيق المنطقة الآمنة التي لطالما نادى بها أردوغان، والتي تقدَّر مساحتهابنحو 5 آلاف كيلومتر.
وضمن هذا الصراع بين الحلفاء، لا يستطيع الأميركيون التخلّي عن "قوات سورية الديمقراطية"، التي أظهرت أنها قد تكون الحليف الأفضل للقتال البرّي، كما لا يستطيع الأميركيون أن يتخلوا عن الأكراد بالذات بعدما أقاموا قواعد عسكرية في مناطق الأكراد في الشمال الشرقي السوري، لكن في المقابل إن الأهمية الاستراتيجية لتركيا وقدرتها على الابتزاز وممارسة الضغوط من خلال تأثيرها على مسار الصراع برمّته في سورية، يجعل من الصعب تحدّيها بدون خسائر.
واقعياً، تُعدّ الأشهر الفاصلة بين انتهاء عهد أوباما وتسلّم دونالد ترامب مقاليد السلطة في الولايات المتحدة من الشهور الصعبة في سورية، فالجميع يسعى لأن يحجز له مكاناً مميَّزاً على طاولة المفاوضات، وأن يفرض وجهة نظره وتصوره للحلّ على الإدارة الأميركية الجديدة، والجميع ينطلق من فكرة أنه في حال سار قطار الحل السوري بقيادة أميركية - روسية، فمن الافضل أن يكون داخل القطار لا على سكة الحديد.