الحكومة على اهبة التشكيل. ربما تتأخر بعض الوقت ليهدأ بال الرئيس نبيه بري من كلام قاله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بكركي عن الفساد وعن التمديد المقيت لمجلس النواب. وقد يتطلب الامر بعض الوقت ليطمئن سماحة الامام الشيخ عبد الامير قبلان الى مستقبل الشيعة في دولة لبنان، لا سيما ان الخطر الكبير على الطائفة دفعه الى الكلام بعد صمت وهدوء مديدين، إذ طالب البطريرك بشارة الراعي بالمداورة في الوزارات.
لا همّ. كل هذه المغامرات بالطائفة الشيعية اللبنانية من القصير الى حمص وحلب وبقية الاقطار العربية، لا تتطلب تنويها ولا اعتراضا بل استكانة دائمة. لعل الشيخ قبلان لم ينتبه الى ان المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في غيبوبة منذ سنوات، بانتظار اعلان رسمي للوفاة، او استمراره كمجرد منبر لبيان غبّ الطلب. كل ذلك ليس مستفزا، فقط ما قاله البطريرك الراعي هو ما ايقظ ملائكة المجلس الشيعي من سباتها العميق.
في السجال حول الحصص الحكومية، أو الأصح في بازار التشكيل الحكومي، لم يقل سماحة الشيخ، رمز الطائفة ونائب رئيسها المغيب، ما يفيد في طمأنة ابناء طائفته الى مستقبلها. ربما هو مطمئن كما من تبقى على قيد الحياة من اعضاء الهيئتين التنفيذية والشرعية الى القيادة السياسية والشرعية للطائفة اليوم. في البازار هذا تم استعراض كل احتمالات التوزير في العهد الجديد. لم يستطع التيار الوطني الحر وحليفه القوات اللبنانية التجرؤ على القول: نحن نمثل المسيحيين. كان حزب الله والرئيس نبيه بري كما الرئيس سعد الحريري لهما بالمرصاد: انتما لا يحق لكما تسمية الوزراء المسيحيين وحدكما في هذه الحكومة، نحن شركاء في التسمية ايضاً. حتى وليد جنبلاط لم يتجرأ على اعلان رفض توزير وئام وهاب. لاذ بالنائب طلال ارسلان وتمسك بمشروع حكومة من 24 وزيرا بدلا من 30 وزيرا، كوسيلة لتفادي توزير وهّاب، بل خفض من مطالبه في هذا السبيل.
وعلى هذا المنوال يمكن ايراد العديد مما قيل ونشر عن المقايضات التي تركزت على حساب الحصة الوزارية المسيحية. طالبت الثنائية الشيعية بتوزير سني، كان الردّ الحريري بطلب توزير مسيحي من تيار المستقبل او زيادة حصته المسيحية. طالبت الثنائية الشيعية من خلال الرئيس نبيه بري بتوزير تيار المردة بوزارة اساسية، وبتوزير الحزب السوري القومي الاجتماعي، وكان الرد بالمقابل من قبل رئيس الجمهورية انه يريد وزيرا شيعياً. لكن العماد ميشال عون لن يتجرأ بطبيعة الحال على توزير من يستفز الثنائية الشيعية. الارجح سيكون الوزير الشيعي في المحصلة تحت مظلة "الثنائية"، كما كان الحال مع الوزراء الشيعة الذين عينهم الرئيس ميشال سليمان من ضمن حصته الوزارية.
لم يرد على لسان مختلف الفرقاء، سواء من الرئيس الحريري او من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع او سواهم اي محاولة او حتى التفكير في خضم السجال، ولا سيما الاعتراض من قبل حزب الله على محاولة توزير القوات اللبنانية في وزارة الدفاع او غيرها، لم ترد اي رد بالمطالبة بتوزير شخصية من عشرات الشخصيات الشيعية المعتبرة من خارج مظلة الثنائية الشيعية، او الشخصيات التي تقف موقفا اعتراضيا من حزب الله.
توزير شخصية شيعية من تيار الاعتراض على سياسة حزب الله مطلب وطني وسيادي بالدرجة الاولى، وهو مكسب لكل من يسعى الى اخراج الدولة من مصادرة الميليشيا، ولتثبيت مقولة ان الشيعة في لبنان ليسوا في خدمة المشروع الايراني او ادوات له. هذه حقيقة لكن يجب ان تظهّر في السياسة. وكان هناك فرصة لتظهيرها من دون خوف اذا احسنّا النيّة، حتى لا نقول ان في لبنان من يريد جعل الشيعة تحت المظلة الايرانية وفي خدمتها.
رأينا الرئيس الحريري شديد الاهتمام بأن يكون من حصة تيار المستقبل وزراء مسيحيين، لذا على الأقل يجب ان يعطي اعتباراً لنواب المستقبل من الشيعة وهم ثلاثة يوازي عددهم عدد نواب كتلة تيار المردة... فيطالب بتوزير شخصية شيعية. لكنه لم يفعل، او قل لم يجرؤ على الأرجح. ليس القصد هنا توزير شيعي من تيار المستقبل، بل المطلوب توزير شيعي من المساحة اللبنانية المدنية التي لها حضور في الطائفة الشيعية يجري تغييبه دوماً بتواطؤ سياسي غير مسبوق في اي طائفة اخرى.