مع وصول دونالد ترامب الى موقع الرئاسة الأميركية سيبدأ في العالم كلّه، وليس في الولايات المتحدة الأميركية وحدها، نقاشٌ يتمحور حول 3 نقاط أساسية:ـ أولاً،هل يكون ترامب سبباً في نهاية المشروع الديموقراطي الليبرالي الأميركي؟
ُـ ثانياً، كيف سيخرج المجتمع الأميركي من امتحان ترامب الذي أقحمه به من خلال شعارات ومواقف متشدّدة أطلقها إبان حملته الانتخابية وتطاول مشروع التعايش والاتحاد وأسس بنية الولايات المتحدة الأميركية نفسها؟
ثالثاً، هل يتخلّى ترامب عن كلّ ما وفّرته العولمة الأميركية بأفكارها وطروحاتها الاقتصادية التجارية المالية ويذهب في اتجاه القطع معها في البلد الرمز لانطلاقة العولمة الجديدة التي فتحت الطريق امام الاقتصاد الأميركي ومكّنته من الوقوف على قدميه على رغم كلّ الهزّات والأزمات التي يواجهها حتى اليوم؟
ليست المشكلة أن يفوز ترامب وأن يكون فوزه هدية لليمين، بل أن يكون هذا الفوز هدية لليمين المتطرّف المتشدّد العرقي الفاشي والنازي.
نقاط أساسية أخرى لا بدّ أن تُؤخذ في الاعتبار في اليوم الأوّل لتسلّم ترامب مفاتيح البيت الأبيض:
كلّ قرار يتّخذه ترامب وأيّ خطوة يقدم عليها لن يتحمّل مسؤوليّتها وحده، بل ستكون ارتداداتها على الحزب الجمهوري بكامله.
هو يقول إنه جاء من خارج الحزب الجمهوري وإنه تنقّل بين الحزبين الكبيرَين في الولايات المتحدة الأميركية لكنه إنتُخب على أساس أنه مرشّح الجمهوريين وبالتالي هو ليس حرّاً في اتخاذ القرارات من دون الأخذ في الاعتبار أفكار وسياسات هذا الحزب وطروحاته خلال إدارته لشؤون البلاد.
الحزب الجمهوري قد يكون يمينيَّ الهوى لكنه في كثير من قراراته كان يساري الميول، والدليل أنه يجمع تحت سقفه الألوف من المفكّرين والكتاب والقيادات السياسية والمثقفين الذين يعتبرون أنفسهم من المدافعين عن حقوق المهاجرين واللاجئين والأقليات ويتبنّون الآخر بفكره وهويّته وجنسيّته وعرقه.
ترامب قد يكون انتُخب على أساس أنه «مرشح التغيير» وأنه جاء ليخلّص البلاد من سياسات الديموقراطيين الخاطئة في الداخل والخارج، لكنّ حزبه لن يسمح له بالابتعاد كثيراً من أفكاره وأسسه، وإنّ التغيير لا بدّ من أن يكون في إطار حدود مرسومة واضحة محدَّدة لا تحمل العداء للآخر.
الواضح تماماً هو أنّ الرئيس المنتخب يعرف ذلك، والدليل أنه قال بعد ساعات من تأكُد فوزه إنه سيكون رئيساً لجميع الأميركيين الذين صوّتوا له والذين لم يصوّتوا، فهو قد يكون ساعد الحزب الجمهوري على إلحاق الهزيمة بالحزب الديموقراطي المنافس، لكنه لم يلحق الهزيمة بالناخب الديموقراطي الذي قال إنه سيمثله ويحترم رأيه ويأخذ ما يقوله في الاعتبار، فهل من المعقول أن يتمسّك بشعارات متشدّدة عدائية تحريضية في بلد ديموقراطي ليبرالي منفتح فتح أبوابه لعقود أمام غالبية أتت من الخارج؟
المؤكد هو أنّ قيادات اليمين المتطرّف الأوروبية رحّبت باكراً بفوز ترامب ورأت فيه انتصاراً لحليف وشريك. أوروبا غير أميركا وترامب لن يكون لوبّن ابداً.
اليمين المتطرّف الأوروبي يدافع عن مشروع تفكيك الاتحاد الأوروبي والتشدّد العرقي والديني والقومي ضدّ الأجانب من مهاجر ولاجئ ولون، وهو مع الأسف نجح في استقطاب المناصرين والمتبنّين لهذا الفكر في إطار الفكر القومي الوطني الذي عارض مسودة الدستور الأوروبي عام 2005 في فرنسا، لكنّ ترامب لا يمكنه أن يقود حملة تفكيك الولايات المتحدة فيضعف هذه القوة العظمى بشرياً وعسكرياً واقتصادياً، ولا يمكنه حتى المغامرة في إضعاف داخل الولايات نفسها التي صوّتت له وساندته، فالذي سيدفع الثمن هنا هو أميركا وموقعها ودورها واستراتيجياتها في العالم.
كيف سيخدم ترامب أهداف اليمين المتطرّف في أوروبا وهو يعرف أنّ بلاده كلّها تشكلت من مجموعات بشرية وعرقية متنوّعة؟ فهل سيختار أكثرية يدعمها ويشجّعها على محاربة الأكثريات الأُخرى وهو يعرف جيداً أنّ بلاده هي بلد الأكثريات الموحّدة؟ أيّ نوع من المغامرات سيكون أن يقحم أميركا في نقاش يتعارض تماماً مع تركيبتها وبنيتها التي أعلنت أنها تقوم على رموز واحدة جامعة مثل الحريات والديموقراطية وحقوق الفرد والجماعة والتعايش والانفتاح؟
ترامب قد يكون نجح في أن يجمع حوله مجموعات من الغاضبين واليائسين والحاقدين ضد الحزب الديموقراطي وسياساته، لكنّ هذا لا علاقة له بفكرة وجود الفراغ الأيديولوجي وأزمة هوية أميركا وقيادة مشروع جبهة وطنية أميركية ترفع يافطة العداء العرقي والديني واللغوي للآخر، تقوده مجموعة من لون واحد في أميركا وفي إطار معادلة خطيرة تقول إنّ «باراك أوباما سحب السلطة من البيض عام 2008، وإنّ ترامب جاء لاستردادها منهم». ألم يصوّت الزنوج والصفر والحمر لترامب في الانتخابات الاخيرة؟
اليمين المحافظ التقليدي لا علاقة له باليمين القومي المتطرّف الذي يعاني من مشكلات كثيرة مع لغة الآخر ولون بشرته وديانته التي أوصلتنا الى خريطة واسعة من العداء في بلدان أوروبية مثل فرنسا وهولندا والنمسا والمجر.
لا يمكن ترامب أن يتسلّم الراية من هذه المجموعات في أوروبا وأن يفتح الطريق أمام صعود اليمين المتطرّف، إلّا إذا كان ما يجرى حلقة في خطة معدة بدراية ومدروسة جيداً في نوادٍ عالمية معروفة ضغطت على زرّ الاصطفافات وإشعال الحروب والمواجهات في اتجاه «نزاع الحضارات» بدلاً من «حوار الحضارات».
الخوف من ترامب مبكر جداً على رغم عدد من مواقفه الاستفزازية التصعيدية التي بدأ يليّنها ويتخلّى عنها. علينا التريّث بعض الوقت قبل الدخول في نقاش سيناريو اتحاد اليمين القومي العالمي بقيادة ترامب وبوتين لمجرد أنّ الأخير راهن عليه وكان أوّل مَن هنّأه بالفوز.
ترامب جمهوري أوّلاً.