تحفل مواقع التواصل الإجتماعي منذ أيام بهجوم عنيف يُشن على وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال الياس بو صعب بلسان نائب عكار في كتلة "المستقبل" خالد زهرمان. هجوم يبدو أنّه، على ما تقول مصادر ذات طابع سياسي شخصي، ينطلق من خلفيات طائفية ومذهبية ويأتي من خارج الأجواء التوافقية التي يعيشها لبنان منذ الإتفاق الرئاسي الذي أثمر إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، والذي كان التيار الذي ينتمي اليه زهرمان أحد أركانه الأساسيين. وفي هذا السياق، أكثر من سؤال يطرحه المقربون من الوزير بو صعب، أولها كيف تسمح قيادة التيار الأزرق للنائب زهرمان بفتح هذه الجبهة السجالية مع بو صعب وبعبارات تصنّف ضمن خانة "العيارات الثقيلة"؟ وثانيها، هل مثل هذه الهجومات الطائفية تخدم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في عملية تشكيل الحكومة التي تحتاج الى أقصى درجات التفاهم والوفاق لإنجازها؟
هجوم زهرمان جاء على خلفية تعيينات أصدرها بو صعب، وتضمنت تعيين الأستاذ في ثانوية القبيّات المختلطة خليل قسطون رئيساً للمنطقة التربوية في عكار، الأمر الذي إعتبره زهرمان "تعدياً" على حقوق طائفته وكأن هذا المنصب مسجّل لهذه الطائفة أو تلك. وفي هذا السياق، تكشف المصادر المتابعة أنّ التعيينات التي أجرتها وزارة التربية لم تكن إلا إنطلاقاً من قاعدة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، لا على قاعدة رئاسة هذه المنطقة لهذه الطائفة ورئاسة تلك لأخرى. وفي المعلومات التي يرى مصدر تربوي رفيع المستوى أنها "غابت عن النائب زهرمان، هناك ثماني مناطق تربوية، وُزّعت رئاساتها مناصفةً، بين أربعة للمسيحيين وأربعة للمسلمين، وفي تفصيل دقيق، أعطيت رئاسة المنطقة التربوية في بيروت لأستاذ سنّي، ورئاسة منطقة الجنوب لشيعي، رئاسة بعلبك الهرمل لشيعي أيضاً ورئاسة منطقة النبطية لأستاذ درزي، مقابل إعطاء رئاسات مناطق جبل لبنان وعكار وطرابلس والبقاع لأساتذة مسيحيين، وبالتالي لو عيّن بو صعب أستاذاً سنياً في رئاسة منطقة عكار التربوية كما يريد زهرمان، لكان عدد المعينين المسلمين خمسة وعدد المسيحيين ثلاثة فقط، وهذا أمر لم يعد مقبولاً في زمن الشراكة الحقيقية والعودة الحقيقية للمسيحيين الى المؤسسات"، يختم المصدر في وزارة التربية.
"كل ما كان يمكن أن يفعله زهرمان"، تقول المصادر المواكبة، "هو أن يطلب عبر تياره من وزارة التربية، مبادلة رئاسة منطقة عكار التربوية برئاسة منطقة بيروت، وبالتالي تصبح رئاسة منطقة بيروت من حصة المسيحيين وتنتقل رئاسة منطقة عكار للسنة، وهكذا تبقى المناصفة مؤمنة في التوزيع، ولكن أن يلجأ نائب عكار الى مهاجمة الوزير وتجييش المشايخ المتشددين والسلفيين، ضده بهدف التهويل على قسطون وتخويفه من استلام منصبه الجديد، فذلك لن يغيّر شيئاً في قرارات التعيين خصوصاً أن الوزير مارس حقه الطبيعي، ولم يعمل إلا بما تنص عليه القوانين المرعية الإجراء.
لكل ما تقدم، فإن قيادة زهرمان السياسيّة مطالبة أكثر من أيّ وقت مضى بوضع حدّ لهجومه على بو صعب، هذا إذا كانت هذه القيادة حريصة على عدم عودة عقارب الساعة الى الوراء مع التيّار "الوطني الحر"، وهي من المفترض أن تكون حريصة على ذلك، وعلى الصفحة الجديدة التي فتحها الحريري منذ أن قرر إنتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية.