فور فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسية الأميركية، بدأ نقاش واسع في الساحتين الفلسطينية والعربية، عكسته وسائل الأعلام بشكل لافت، حول الأخطار التي ستلحق بالقضية الفلسطينية من جراء وصول مرشح الحزب الجمهوري إلى السلطة على ضوء اطلاق ترامب تصريحات أعلن فيها نيته نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وعدم اعتراضه على الاستيطان في الضفة الغربية، والحديث عن أن فريقه السياسي سوف يضم عتاه المتطرفين المؤيدين للكيان الصهيوني وسياساته التوسعية في فلسطين المحتلة.
وعلى هذا الأساس راح البعض يتحدث عن أن الإجراءات التي أقدمت عليها سلطات الاحتلال الصهيوني في القدس المحتلة، من منع الآذان في المساجد إلى تحويل البؤر الاستيطانية إلى مستوطنات دائمة، إنما هي مؤشر على أن الكيان الصهيوني في عهد ترامب سوف يحظى بتأييد ودعم غير مسبوقين لاستكمال مشروعه لتصفية قضية فلسطين وتكريس الدولة اليهودية وحسم الصراع على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
إن قراءة السياسة الأميركية يحب أن ينطلق من رؤية المصالح الاميركية الاستعمارية المعادية للشعوب وحقوقها وحرياتها، وهذه السياسة تقوم على سلب الشعوب حرياتها وثرواتها.
لهذا واهم من يعتقد أن هذه السياسة الأميركية الداعمة لإسرائيل، في ظل الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي، سوف تتبدل عقب انتخاب رئيس جديد لأميركا.
لكن إذا ما تبدلت التكتيكات في السياسة الاميركية فإنها مرتبطة بكيفية حماية وتعزيز النفوذ الأميركي الاستعماري في منطقة الشرق الأوسط، وتأمين مصلحة إسرائيل باعتبارها قاعدة استعمارية متقدمة في خدمة السياسة الاستعمارية الأميركية الغربية.
ولهذا مع تبدل هذه التكتيكات في السياسة الأميركية، قد يحصل تباين وخلاف بين الإدارة الأميركية، والحكومة الإسرائيلية، حول مقاربة العديد من القضايا، وهو ما حصل، على سبيل المثال، في عهد جورج بوش الأب، وفي عهد الرئيس الحالي باراك أوباما، ولكن هذا الخلاف والتباين حول سبل تحقيق تسوية للصراع العربي الصهيوني، أو حول الموقف من البرنامج النووي الإيراني، أو غيرها من المسائل لم يؤدِ إلى وقف الدعم الأميركي السخي لإسرائيل في شتى المجالات، بل أن اوباما وقع قبل فترة على صفقة مساعدات لإسرائيل للسنوات العشر المقبلة مقدارها 38 مليار دولار، كانت حكومة بنيامين نتانياهو تطالب بأن تصل إلى 50 مليار دولار لكن أوباما رفض وخير نتانياهو بين التوقيع على هذا المبلغ أو الامتناع عن ذلك وترك الأمر للإدارة المقبلة، غير أن نتانياهو سارع، لاحقا، إلى القبول بما عرضه عليه أوباما، بعدما شعر بنوع من القلق من مواقف الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، والتي توحي بأنه لن يكون أكثر سخاءً من أوباما.
وإذا كان من سبب يحول دون حصول إسرائيل على مبالغ اكبر فان ذلك ليس سببه سياسيا، إنما سببه يعود إلى أن أميركا تعاني من أزمة اقتصادية ومالية رتبت عليها دينا كبيرا بلغ 19 تريليون دولار، (حسب ما جاء في كتاب «رؤية استراتيجية» للكاتب زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق)، الأمر الذي دفع إدارة أوباما إلى اتخاذ إجراءات تقشفية في العديد من المجالات لمواجهة هذا الدين المتنامي والمترافق مع تزايد عجز الموازنة البالغ نحو 800 مليار دولار.
غير أن هذا الدين الكبير لم يكن ليبلغ هذا الرقم المهول لولا الاستنزاف الكبير الذي وقع فيه الجيش الأميركي خلال احتلاله للعراق، وكذلك خلال احتلاله لأفغانستان، والذي كلف أميركا ما يفوق الـ 6 تريليونات دولار، وهو استنزاف لم يكن ليحصل لولا المقاومة الشرسة للقوات الأميركية المحتلة، مما أجبرها على الرحيل مجبرة عن العراق، ودفعها إلى وضع جدول زمني لخفض وسحب قواتها من أفغانستان.
وهذا الأمر ينسحب على الوضع في فلسطين المحتلة، فاستعادة الأرض المحتلة والحقوق المسلوبة من الاحتلال الصهيوني المدعوم أميركياً، لا يمكن أن يتحقق بالرهان على تبدل السياسة الأميركية، وإنما من خلال سلوك طريق المقاومة المسلحة التي تستنزف الاحتلال وتجعل كلفة احتلاله تفوق قدراته وقدرات من يدعمه على الاستمرار في هذا الاحتلال،وبالتالي تجبره على التراجع والتسليم بما كان يرفض القبول به.
لكن سلوك طريق المقاومة لتحرير أرض فلسطين وحماية عروبتها، يتطلب رؤية واستراتيجية للمقاومة وقيادة بمواصفات حركات التحرر التي حققت النصر ضد الاحتلال والاستعمار، مثل جبهة التحرر الوطني الجزائرية، وحركة التحرر الوطني الفيتنامية.. الخ.
أما الاستمرار في انتظار تبدل الظروف، أو الرهان على تغير في السياسة الأميركية، فانه لن يقود سوى إلى استمرار حالة الضياع والتخبط السائدة فلسطينياً وتمكين الاحتلال الصهيوني من تحقيق أطماعه التوسعية وأهدافه في تصفية القضية الفلسطينية.