مرت اشهر كثيرة على الركود الذي ساد قضية اللاجئين السوريين، وبالتحديد بعد القرار الشامل الذي اتخذ بالقضاء على "داعش" واعادتها الى حجمها، وبعد العمليات العسكرية الجدية التي نفذت (ولا تزال) في سوريا والعراق من اجل هذا الهدف.
واللافت انه على رغم الخلاف الكبير الحالي بين تركيا والاتحاد الاوروبي، لم يستيقظ مارد ورقة اللاجئين، وبقيت هذه الورقة على الطاولة في انتظار من يستخدمها، علماً ان خطرها وتداعياتها لا تزال نفسها ولم تتراجع، الا ان الوضع السياسي والعسكري اوجب التخفيف من حدتها والتعاطي معها بعيداً عن الانظار.
وفجأة، همدت قضية اللاجئين ولم يعودوا يشكلون خطراً على اوروبا ولم تعد القارة العجوز مستنفرة لردع تدفقهم اليها بطرق شرعية وغير شرعية. فما هو هذا السر؟
من الطبيعي الا تكون مفاعيل تواجد اللاجئين في دول اخرى قد تراجعت، فالضغط الذي يسببه هذا التواجد على الصعد الاقتصادية والامنية والاجتماعية والحياتية لا يزال حاضراً في كل الدول وبالاخص في لبنان الذي يعرف الجميع مدى صغر مساحته الجغرافية وتواضع امكاناته المادية والاقتصادية وضعف بناه التحتية. لكن حقيقة الوضع ان عدم اثارة قضية اللاجئين يعود الى امرين: الاول هو اقتناع العالم بأن هذه القضية يجب ان تبقى في الثلاجة حالياً لان لا مصلحة لاثارتها في ظل التغيرات التي تحصل على الخطين العسكري والسياسي، فالتذكير بقضية اللاجئين سيشتت الانتباه عن الحملات العسكرية، وسيحرك عواطف الناس ان لجهة التأييد لهم او الرفض لوجودهم، وفي كلا الحالتين يكون الامر قد اصبح في مكان آخر غير الذي تصبو اليه الدول.
اما الامر الثاني فهو "اعتياد" الدول المضيفة على تواجد اللاجئين لديها، والتعاطي اليومي معهم على قاعدة "امر واقع" لا يمكن تغييره، والعمل قدر الامكان على ابقائهم تحت الانظار لمراقبتهم الدائمة. ومن المتوقع ان تعمد هذه الدول الى اعادة اللاجئين عندها (او غالبيتهم على الاقل) الى الداخل السوري فور انتهاء العمليات العسكرية وارساء اتفاق يحدد بشكل نهائي صورة الوضع في سوريا والعراق.
لكن المخاوف تزداد من امكان الوصول الى اتفاق شامل للازمة، دون العمل على الشق المتعلق بالعودة، ليتحول اللاجئون السوريون عندها الى "ضيوف دائمين" على غرار اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ان الكلام والموقف اليوم يتجه الى الميدان، وما سينتج عنه من نتائج ستشكل دون شك، الجواب الشافي لكل الاسئلة المطروحة. لذلك ينتظر الجميع ما ستؤول اليه المعارك والجولات العسكرية في سوريا والعراق، وفي حلب والموصل تحديداً، والسباق بين انتهاء هذه المواجهات، وتسلم الادارة الاميركية الجديدة مسؤولياتها، وفي ظل دخول تركيا ومصر الحلبة العسكرية.
مشهد السباق يتوقع ان ينتهي قريباً، ولكن في ظل ما يظهر من تفاهم اميركي- روسي في عهد الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب، من المتوقع ان يتم تأمين غطاء دولي لروسيا للاستمرار في عملياتها العسكرية في المنطقة، او على الاقل استبدال الرعاية السياسية للشرق الاوسط من دول الخليج الى الادارة الروسية بالتنسيق والتفاهم مع واشنطن. هذا الامر من شأنه ان يدخل المنطقة في مرحلة جديدة لم تعتد عليها سابقاً، مع كل ما يعنيه ذلك من تغييرات على الصعد الاقتصادية والامنية كذلك، ويبقى معرفة الرؤية الروسية لوضع اللاجئين السوريين في الدول المجاورة وفي اوروبا، وهل ستلتقط موسكو هذه الورقة للضغط على اوروبا لتغيير نظرتها وسياستها تجاه روسيا، ام انها ستعيد الاوضاع الى ما كانت عليه في السابق والعمل على اعادة التوازن الاستراتيجي والديموغرافي، وتنفيس الاحتقان السنّي- الشيعي الذي وصل الى مراحل عالية جداً من التوتر؟
ورقة اللاجئين لا تزال على الطاولة، وفيما لا يبدو ان ترامب يرغب في التقاطها، سيبقى مفعولها قائمًا انما مع وقف التنفيذ.