تبدو عملية تأليف الحكومة مرشحة لأن تمتد لأسابيع، رغم ان الخلاف على المقاعد الوزارية بات هامشياً ومحصورا في نوعية الوزارة التي سيشغلها تيار المردة، كل التسهيلات جرى توفيرها في سبيل الخروج بتشكيلة حكومية تتيح لرئيس الجمهورية ميشال عون ان يتنفس في بداية العهد. لكن رغم التفاؤل الذي يحرص الجميع على بثه بأن لا عُقد مهمة في عملية التأليف، لا من عين التينة ولا من بيت الوسط، ولا حتى من قصر بعبدا الا ان ذلك لا يجعل الطريق مفتوحاً امام تشكيل قريبٍ للحكومة فماذا وراء الستار، ومن يقف على مسرح التعطيل؟
تكفل الرئيس نبيه بري بمهمة القيام بتمثيل الثنائية الشيعية في عملية التأليف، حزب الله اعلن صراحة ان الرئيس بري هو من يمثله، وهذا ما جعل الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري، اكثر ليونة حيال مطالب الرئيس بري، فقبل الرئيس عون بتجاوز مسألة المداورة في الوزارات السيادية، وسلم بمنع توزير "قواتي" في وزارة الدفاع، وتخلى عن الوزير الشيعي الذي كان يسعى الى تسميته من ضمن حصته الوزارية. ومن الواضح ان الرئيس رضخ ايضاً لشروط الثنائية الشيعية توزير ممثل عن تيار المردة، استجابة لرغبة السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه بري.
كل ذلك لن يخفف من وطأة الحذر والتشكيك الآخذ في التمدد على طول جبهة حزب الله وحلفائه تجاه رئيس الجمهورية، فالعرضين العسكريين في القصير وفي الجاهلية، ولا يمكن تفادي الرسائل التي انطلقت منهما عشية الاستقلال. لذا رئيس الجمهورية سيجد نفسه اكثر فاكثرامام تحديات لا يستهان بها على صعيد مواجهة تضعضع الدولة، واستنزاف اقتصادها، والأهم تجاه الرسالة التي ينتظرها الكثيرون منه في بداية عهده، اما ان تقدم دفعا لخيار الدولة على حساب الدويلة، او انها تجرجر اذيال الخيبة امام الخروج من دوامة الاستنزاف، وبالتالي بقاء لبنان معلقا بين الدولة والدويلة.
رئيس الجمهورية ليس في وارد خوض مواجهات يعتقد انها تعيق مشروع الدولة، الذي يتطلب مشاركة فاعلة من الجميع، كما ينقل قادة التيار الوطني الحر. ويجزم هؤلاء ان الرئيس الجنرال على اقتناع بأن حزب الله لن يكون الا سنداً له في مواجهة التردي على المستوى العام لا سيما على صعيد الادارة العامة او الازمة الاقتصادية الاجتماعية، بدءاً بتعزيز دور القضاء واستقلاليته وصولا الى تفعيل دور القوى الامنية ودعم المؤسسة العسكرية.
الاطمئنان لدى التيار الوطني الحر تجاه دعم حزب الله لخيارات الرئيس الاصلاحية، تنطلق من أن تراجع المخاطر الخارجية على لبنان ولأسباب مختلفة سواء من قبل اسرائيل او من قبل الجماعات الارهابية، يجعل من الانكباب على الوضع الداخلي ومعالجة الازمات امراً ملحاً لا يمكن اهماله او تسويفه. وفي هذا السياق تلفت المصادر الى ان ما يعد الرئيس بالقيام به، هو تحقيق مطلب عموم الشعب اللبناني، والخطوات المطلوبة لا يختلف عليها اثنان يريدان الخروج من الدولة المترهلة الى الدولة القوية.
تثبيت مشروع الدولة وتعزيز الوحدة الداخلية وتمتينها، شرط اساسي في مسار الرئاسة العونية على ما تردد اوساط التيار، لكن ذلك لا يكفي ليخفف من الريبة التي تنتاب اوساط قريبة من حزب الله، فمن شروط نهضة البلد وتماسكه اقتصاديا، هو الانفتاح على الدول العربية وعلى العالم عموما، وهذا يفرض على لبنان ان يذهب اكثر في تعزيز السيادة ودولة القانون والمؤسسات، وأن يعمل على خلق بيئة سياسية وقانونية جاذبة للاعمال والاستثمار، وهذا واجب اي حكومة تسعى لمعالجة الازمات المتناسلة في البلد. علما ان عموم الشعب اللبناني اليوم يعاني من ضيق اقتصادي وتراجع في الاعمال وفرص العمل، وحال الانقسام السياسي الذي عاشه لبنان استنفد طاقة المجتمع وحتى القوى السياسية على اختلافها.
العجز عن الاستمرار على هذا الحال هو مكمن قوة العهد وفرصته لاثبات ان اللبنانيين قادرين على تنظيم حياتهم وتحديثها على شرط التنوع والدولة. وما يعزز فرص العهد ان احداً في العالم لا يبدو في وارد الاستثمار في الانقسام اللبناني، يبقى ان حزب الله الذي لا يجد من يقاتله في لبنان، لكنه على موقفه بالهروب من استحقاق الدولة والوطن، الى حماية وظيفة انخراطه في حروب اهلية مشتعلة في اوطان اودول قريبة وبعيدة.