في العام 2012، وبعد ستة أشهر من تكليفه مُهمّة حل الأزمة التي إنفجرت في سوريا إعتبارًا من آذار 2011، قدّم المُوفد الدَولي إلى سوريا، كوفي أنان (أمين عام الأمم المتحدة السابق) إستقالته، بسبب عجزه عن إحداث أي خرق في جدار الأزمة. وفي العام 2013 قدّم المُوفد الدَولي الثاني الأخضر الإبراهيمي إستقالته من مهمّة إيجاد حلّ للحرب السورية بعد أكثر من عام ونصف من المحُاولات غير المُثمرة. واليوم، كشفت المصادر المُتابعة لحركة المُوفد الدَولي الثالث إلى سوريا منذ منتصف العام 2014 حتى اليوم ستيفان دي ميستورا، عزم هذا الأخير على الإستقالة من مهمّته، علمًا أنّ الأمم المتحدة أصدرت بيانًا نفت فيه هذا الأمر. فما هي الحقيقة والخلفيات، وما هي النتائج المُترتّبة عن هذه الإستقالة في حال تمّت؟
بحسب المعلومات المتوفّرة، إنّ المُوفد الدَولي دي ميسورا لمس بالتجربة والوقائع أنّ الأزمة السوريّة تفوق قُدراته، وقُدرات الأمم المتحدة من خلفه، لأنّها تحوّلت إلى صراع إقليمي-دَولي متعدّد الجهات، مُتداخل في بعض المواقع ومُتناقض في مواقع أخرى، وذلك بعكس ما يظنّ الكثيرون من أنّه صراع بين مُعسكرين مُتواجهين. وفي ظلّ الفشل المُستمرّ في إحداث أيّ خرق، طلب دي ميستورا إعفاءه من مهمّاته، إفساحًا في المجال أمام تدخّل دَولي جديد أكثر زخمًا، لكنّ إستقالته غير المُعلنة لم تُبتّ بشكل رسمي ونهائي بعد من جانب السُلطات المعنيّة في المنظّمة الدَوليّة(1). وبحسب المعلومات، فإنّ هذه الإستقالة التي ترفض الأمم المتحدة الإقرار بها حتى الساعة، تتجاوز مسألة الضغوط التي يتعرّض لها دي ميستورا من بعض الأطراف، والإنتقادات اللاذعة التي طالته أيضًا من روسيا وغيرها، وهي ترتكز إلى عدم إستجابة أي طرف من أطراف النزاع لمطالب ولتوجيهات المُنظّمة الدَولية، بحيث صارت قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالشأن السوري بمثابة "حبر على ورق"، بالكاد تنفع لإخلاء بعض الجرحى من هنا ولإدخال بعض المعونات الطبّية والغذائيّة من هناك.
وبالنسبة إلى النتائج المُترتّبة عن خطوة دي ميستورا التي لا بُدّ أن تطفو إلى السطح في المُستقبل القريب، بحيث ستتحوّل قريبًا من مُجرّد معلومات مُسرّبة ومنفيّة إلى واقع ملموس ومُعلن جهارًا، فهي ستكون سلبيّة على الوضع السوري المُتأزّم. صحيح أنّ المُنظمة الدَولية ستقوم باستبدال دي ميستورا بمبعوث جديد لها، في حال فشلت في ثنيه عن طلب إعفائه من مهامه، لكنّ الأسباب التي أوصلت دي ميستورا إلى التخلّي عن مهمّته، ستبقى قائمة في المُستقبل القريب، ما سيُكبّل يديّ أي موفد جديد، مهما كان مُتمرّسًا في العمل الدبلوماسي ومهما كان خبيرًا في النزاعات الدَوليّة. فكل المعلومات المُتأتية من الميدان السوري تؤكّد أنّ الأسابيع والأشهر المُقبلة ليست للتفاوض ولا لمحاولة التوصّل إلى تسوية سلميّة، إنّما الكلمة ستكون للسلاح وللمعارك، خاصة في حلب. وفي حال سُقوط الأحياء الشرقيّة من هذه المدينة، كما هو متوقّع في المُستقبل غير البعيد، مهما بلغت قُدرة الجماعات المُسلّحة المُعارضة على مُواجهة الهجمات المُتكرّرة على مواقعها، فإنّ النظام السوري سيرفع سقف مطالبه العالية أصلاً، ما سيضع مُعارضيه أمام واحد من خيارين: إمّا القبول بشروط سبق وأن رفضوا أفضل منها في الماضي القريب، وإمّا إستمرار القتال وتطبيق سياسة الإستنزاف في انتظار ظروف مُؤاتيّة أكثر، إقليميًا ودَوليًا. والخيار الثاني هو المُرجّح، لا سيّما وأنّ الكثير من فصائل المُعارضة السورية تُعوّل على هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق، لانتقال العديد من مُقاتليه إلى صُفوفها مُجدّدًا، وعلى إمكان إستيلائها على أراض جديدة ما أن يُخليها مُسلّحو "داعش" تحت وطأة الضربات العسكريّة ضُدّهم من كل حدب وصوب.
في الختام، لا شكّ أنّ إستقالة دي ميستورا من مهمّاته، في حال سلوكها طريق التنفيذ الرسمي، ستُشكّل ضربة معنويّة قاسية للجهود الرامية إلى التوصّل لتسوية سلميّة للحرب في سوريا، وستفتح الباب واسعًا أمام جولات جديدة من القتال، لتبقى سوريا غارقة بالدماء عشيّة حلول الذكرى السادسة لإنطلاق الشرارة التي بدأت بتظاهرات شعبيّة ضد نظام الحُكم، وتحوّلت مع الوقت إلى صراع إقليمي-دولي، دفع العشرات من دول العالم إلى التدخّل مُباشرة في الشأن السوري.
(1) أحال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي تنتهي ولايته في 1 كانون الثاني 2017، طلب المُوفد الدَولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إعفاءه من مهامه، إلى الأمين العام الجديد للمُنظّمة الدَولية أنطونيو غوتيريس، حيث لم تُبتّ المسألة رسميًا بعد.