لم توفر الغالبية الساحقة من السياسيين والمحللين إطلالة إعلامية واحدة قبل عيد الإستقلال بأسبوع أو حتى بأسابيع، من دون أن تستثمر خلالها بملف العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش الإرهابي. فجأة وبعد نسيانهم هذا الملف لأشهر طويلة، راح البعض يتاجر به للتصويب سياسياً على المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ورأى البعض الآخر فيه مادة دسمة لإنتقاد الجيش اللبناني وقائده جان قهوجي تارةً وحكومة تمام سلام تارةً أخرى، تحت شعارات توزعت بين التقصير وعدم القيام بالواجب الوطني لتحرير المخطوفين. عملية المتاجرة هذه، ترافقت مع سلسلة معلومات مغلوطة رُميت بلا مسؤولية بوجه الرأي العام، منها ما تحدث عن عودة الوسيط القطري الى لبنان، ومنها ما جزم وبأسلوب لا يقبل الشك بأن الحرارة عادت الى خطوط المفاوضات مع "داعش"، وبأن وسيطاً نجح في الآونة الأخيرة بالحصول من التنظيم الإرهابي على تطمينات تؤكد أن العسكريين بخير، وعلى وعد بالحصول على شريط مصور للمخطوفين التسعة، كل ذلك من دون مراعاة مشاعر أهالي المخطوفين ومن دون تقدير ما يمكن أن تحدثه هذه الإشاعات من تداعيات سلبية على قلوبهم المفجوعة وعقولهم المعلّقة بحبال الهواء، خصوصاً بعد فترة طويلة من إنقطاع الأخبار عن فلذات أكبادهم.
"صحيح أن أخطاء سياسيّة إرتكبت وسببت غزوة عرسال وخطف العسكريين، غير أن عمليّة التفاوض وعلى رغم كل المطبّات التي مرّت بها، لم تكن سيئة ولم توفر الحكومة جهداً إلا وبذلته لإنجازها، كما أنها لم تبخل على اللواء ابراهيم بأي وسيلة قد تساعده لإنجاز صفقة تعيد العسكريين المخطوفين الى أهلهم"، تقول المصادر المتابعة للملف وتضيف، "المفاوضات متوقفة منذ أكثر من عام ونصف بقرار من "داعش" لا بتخاذل من الدولة اللبنانية، فلا تمّام سلام يملك خبراً قد يشفي غليل الأهالي، ولا اللواء عباس ابراهيم لديه ما يقوله من جديد عن هذه القضية الإنسانية، والمشكلة كل المشكلة هي بعدم وجود وسيط جدّي يستطيع أن يحقق خرقاً في جدار التفاوض مع التنظيم الخاطف الذي أقفل باب النقاش من دون معرفة الأسباب حتى".
وعن عمليات البحث الرسمي عن مفاوض جدي، تتحدث المعلومات الأمنية عن أن إرهابياً موالياً لـ"داعش" أخرجته السلطات القضائية من السجون اللبنانية منذ أشهر بقرار سياسي لزيارة الجرود العرسالية ومحاولة التواصل مع الخاطفين، غير أن محاولته هذه باءت بالفشل، وعاد بنتيجة واحدة، مفادها أن قيادة التنظيم لا تزال ترفض فتح أي قناة تفاوضية في قضية العسكريين المخطوفين.
بالإضافة الى ذلك، وضمن إطار النفي الرسمي لكل ما كُتب من معلومات مغلوطة عن هذا الملف، يؤكّد مصدر أمني أن خبر نقل العسكريين الى الرقة، ما من أحد يستطيع تأكيده أو نفيه، كما أن الأخبار التي تحدثت عن أن مفاوضاً تمكن من فتح قناة تفاوضية مع "داعش" هي غير صحيحة، وما هو غير صحيح أيضاً، هو ما حُكي عن عودة الوسيط القطري الذي لم يعد الى لبنان اصلاً، وفيما لو عاد، فهو لن يفيد في هذا الملف لأن ما من علاقة تربطه بملف العسكريين المخطوفين لدى تنظيم "داعش" الإرهابي، وإنحصرت مهامه التفاوضية منذ البداية، بملف العسكريين المحررين من جبهة النصرة.
إذاً لكل ما تقدّم، رسالة واحدة مسؤولة يجب أن يفهمها السياسيون والمحلّلون والزملاء، كفى متاجرةً بهذا الملف الإنساني، وكفى تلاعباً بمشاعر الأهالي، ما دامت المفاوضات متوقّفة وما من تقدّم ملموس.