يحلو لمَن أيّدوا انتخاب الرئيس ميشال عون أن يَصفوه «عون الثالث». هي إشارة الى ثلاث مراحل طبعت حياة الجنرال السياسية، أولها بدءاً من العام 1988 وصولاً الى العام 2006 تاريخ توقيع وثيقة التفاهم مع «حزب الله»، وثانيها من العام 2006 وحتى انتخابه رئيساً للجمهورية في 31 الشهر الفائت، أمّا الثالثة فتبدأ لحظة الانتخاب.«عون الثالث» يبدو انه مصمّم أن يكون في نظر هؤلاء «عون البداية»، أي الرئيس الذي يطبع ولايته بكثير من الأحلام والانجازات، والذي يستطيع بما يملك من تمثيل شعبي، أن يعيد التوازن، وان يعيد للدولة هيبتها، وللمؤسسات قوتها، وهو ما سيُملي عليه أن يواجه من يُضعفون الدولة ومن يضربون التوازن.
يبالغ المراهنون على عون في توقّع الأفضل، يتجاوزون الخشية من كل الالتزامات التي قطعها قبل انتخابه، والتي شدّد عليها بعد انتخابه ولَو بتنميق العبارات والمواقف، لكنّ الرهان هذا سيعبر حكماً في نفق صعب، لا يقتصر على تشكيل الحكومة، بل يمر في مسارب كثيرة، وامتحانات عسيرة، وليس آخرها الاستعراضات العسكرية في «القُصير» و«الجاهلية» التي نفّذها «حزب الله» ورَعاها، وليس آخرها بالطبع، اختبار هامش المناورة الذي أعطاه «حزب الله» للرئيس الحليف، بما يتعلق باستعادة التوازن في علاقة لبنان مع العالم العربي ومع السعودية تحديداً التي تدخل ضمن نطاق الخطوط الحمر.
في الاختبار الأول والأهمّ، المتعلق بتشكيل الحكومة، بَدا عون الى الآن في موقع تدوير الزوايا. فـ«الفيتو» الموضوع على التشكيل مصدره «حزب الله»، الّا اذا تمّت تلبية مطالب حلفائه، التي تعني تشكيل التوازن الوزاري بمعزل عن عون وبمعزل عن الثقة به كحليف عضوي للحزب.
في هذا الاختبار يعرف عون أنّ الاعلان عن ايّ مهلة تحذيرية لتشكيل الحكومة ستكون موجّهة لـ«حزب الله» وليس لرئيس مجلس النواب نبيه برّي ولا للنائب سليمان فرنجية، ولهذا السبب أحجَم عن رفع الاصبع في وجه المعطّلين، وسحب كلاماً تنبيهياً عن أسبوع للانتظار سيعمد بعده الى إعلان التشكيلة الحكومية بالاتفاق مع الرئيس سعد الحريري.
تطرح العلاقة المُستجدّة بين عون وكل من «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل»، كلّ مفهوم الضمانات التي وقّعت أو كتبت أو قيلت، على بساط الشَك. فقبل انتخاب عون رئيساً، كان كلّ من الحريري والدكتور سمير جعجع على ثقة غَيبية بأنّ عون قادر على تنظيم العلاقة مع «حزب الله» بما يتعلّق بتشكيل الحكومة وقانون الانتخاب، امّا اليوم فقد باتت هذه الضمانات مدار تساؤل كبير، إذ انّ الرئيس الجديد بَدا كأنه يحتاج الى ضمان افتقدَه، كما بَدا انه يُراد إغراق حكومة العهد الاولى بالالتزامات وبخريطة قوى لن تمكّن العهد ولا حكومته الاولى، حتى لو ولدَت سريعاً، من أيّ إنجاز كبير، وربما تصبح حكومة تقطيع الوقت على إيقاع انتظار قانون الانتخاب الجديد، الذي يصمّم «حزب الله» على أن يكون جذرياً في الطموح الى إضعاف ما تبقّى من خصومه.
يعطي الرئيس الثالث عون في بداية عهده من طرف الخطاب حلاوة، ويتوجّه للجميع بمنطق المصالحة (باستثناء الكلام الذي نفاه أمس في «السفير»).
مثال على ذلك أنّ «التيار» تعهّد لـ«القوات اللبنانية» بأن لا تشكّل حكومة اذا ما تَمسّكت بالحقيبة السيادية حتى تنالها، ومثال آخر أنه تعهّد لـ«القوات» أيضاً بأن يعطيها وزارة الاشغال اذا ما تمسّكت بها، حتى لو لم تشكّل الحكومة، لكنّ المحصلة النهائية لهذا التمسّك تقول إنّ عون سيكون أمام خيار عدم تشكيل حكومة العهد الاولى اذا ما قرّر الالتزام مع أصدقائه الجدد، فـ«حزب الله» يضعه بين نارَين، وينتظر منه أن يراجع حساباته لكي تتطابَق مع مرحلة ما قبل 31 ت1 .