منذ إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، إنطلق حديث جدي في طرابلس عن ضرورة إصدار قانون عفو يفتح أبواب السجون أمام المئات من الشباب الطرابلسي، الذين ألقي القبض عليهم بتهم المشاركة بجولات القتال بين باب التبانه وجبل محسن. حديث سرعان ما ترافق مع خطوات جديّة لمجموعة من المشايخ والمحامين تهدف الى إعداد لوائح إسمية تتضمن الموقوفين الذين يجب أن يشملهم قانون العفو إذا صدر، كل ذلك إنطلاقاً من قاعدة ضرورة الإستفادة من التقارب السياسي الحاصل بين تيار المستقبل ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، والرئيس عون.
كثيرون هم الذين يحاولون إستثمار هذا الملف في الشارع الطرابلسي، على رغم ذلك، لا يهم الأهالي على يد مَنْ مِنَ الأفرقاء سيأتي الإفراج عن أبنائهم، خصوصاً أن هناك الكثيرين من الموقوفين، لا يزالون داخل السجن من دون محاكمة على رغم أن جرمهم لا يستأهل مدة توقيفهم، بينما لم يستدع جهاز أمني أو قضائي ولو مطلوباً واحداً من المتورّطين الكبار، وهذا ما يؤكّده قادة المحاور الذين خرجوا من السجن بعد إنتهاء محكوميتهم.
فبالأمس القريب خرج "حبيبو" من السجن وهو أحمد المصري، القائد السابق لمحور الشعراني، ثم عاد الى طرابلس بعد إنتهاء محكوميته. سبقه من السجن الى عاصمة الشمال في الأشهر القليلة الماضية، زياد علوكي قائد محور الحارة البرّانية وسعد المصري قائد محور ستاركو، إضافة الى آخرين من الذين شاركوا في جولات القتال الشهيرة بين جبل محسن وباب التبانة.
عاد هؤلاء الى محاورهم وشوارع وأهلهم، من دون أن تعود جولات القتال الى محاذاة شارع سوريا الفاصل بين الجبل والتبانة. عادوا الى مدينتهم التي طرأت عليها تغييرات كثيرة لا سيما من الناحية الأمنية، وهم ليسوا على إستعداد أبداً لإعادة عقارب الساعة الى الوراء وتحديداً الى زمن وقفوا فيه خلف المتاريس، وتمترس سياسيّو المدينة خلفهم لإشعال فتنة، يُفصّلها كل زعيم أو وزير أو نائب على قياس أرباحه وحساباته. وإذا سألت قائد محور بارز عن جولات القتال، يأتيك الجواب بسرعة غير متوقعة، "إبحث عن السياسيين وأموالهم وأسلحتهم وتغطيتهم، تعرف كل شيء عن تلك الجولات، إبحث عن المبالغ التي كانت تدفع للمقاتلين في مدينة هي الأكثر فقراً في لبنان والشرق الأوسط، تعرف سبب إندفاع البعض الى القتال المدفوع سلفاً".
نعم، مقابل عشرة آلاف ليرة فقط، مصدرها هذا الزعيم أو ذلك النائب، عرّض المئات من المراهقين الطرابلسيين حياتهم للخطر، وهزّوا الوضع الأمني الطرابلسي لأيام وأشهر وسنوات، بمجرّد أن قبلوا فكرة القتال المدفوع سلفاً على المحاور. قتال دفعت أثمان دماء ضحاياه وجرحاه، من حسابات السياسيين الطرابلسيين وتياراتهم ورجال أعمالهم، لأن عدم إستقرار الوضع الأمني في تلك المرحلة كان مطلوباً ومفروضاً على 500 ألف مواطن يعيشون في عاصمة الشمال.
"خير دليل على التمويل السياسي لجولات القتال"، يقول قائد مِحْوَر، يتمثل بعدم عودة الطرابلسيين الى التقاتل، وذلك لأن القرار السياسي في هذه المرحلة يفرض تهدئة ممنوع المسّ بها من قبل أحد، ولأن التمويل مفقود للقتال والسلاح والذخيرة، ولأن بعض الأجهزة الأمنية التي لطالما شكلت عاملاً مساعداً لتأجيج الفتنة، لا تلعب الدور الذي لعبته سابقاً، وذلك بقرار من قياداتها ومرجعياتها السياسية، كل ذلك فضلاً عن أن الخديعة التي تعرض لها قادة المحاور يوم سلّموا أنفسهم مقابل وعود سياسية بتسوية ملفّاتهم، ثم صدرت بحقهم أحكام السنوات، زرعت في نفوس الكثيرين منهم حداً أدنى من الوعي لعدم الإنجرار ثانية الى لعبة السياسيين المدفوعة".
أكثر ما أزعج قادة المحاور أيام سجنهم، هو تخلي السياسيين عنهم وتغطية كبار المتورطين في المعارك وتمويلها، كـ"ع. ح." على سبيل المثال لا الحصر الذي لم يتمّ إستدعاؤه أو توقيفه ولو لمرة واحدة على رغم أن الطرابلسيين يعرفون أنه من كان وراء مدّ شباب التبانه بالأسلحة والذخيرة والأموال، وهذا ما يؤكده أيضاً مصدر أمني بارز.
إذاً طرابلس اليوم غير طرابلس الأمس القريب، أمور كثيرة تغيّرت، وأي إشكال ليلي لا يحتاج الى أكثر من عشر دقائق لفضّه من قبل الجيش مهما كان حجمه، كما أن حملة مكافحة المخدرات وحبوب الكبتاغون وملاحقة التجار، تسير كما هو مكتوب لها. كل الأنظار تتجه الى قانون العفو، والى رئيس الجمهورية الجديد، الذي لم يصدر بعد أي تعليق على هذا الملفّ، لكن الأكيد الأكيد، بحسب المصادر المتابعة، هو أن مشروع قانون العفو، وكي يكون قابلاً للنقاش، لا يحب أن تضم لوائحه أي مطلوب أوقف بتهم إرهابية، وله أي علاقة من قريب أو من بعيد بتنظيم "داعش" او "جبهة النصرة"، أو أي فرع لهذه التنظيمات المتشددة الناشطة في الداخل وعلى الحدود اللبنانية.