قبل البدء، لا بُدّ من مُسلّمة تفرض ذاتها في الإطار الذي نتكلّم عنه، وهي أنّ القديس شربل ليس بحاجةٍ إليَّ ولا إلى أحدٍ البتّة للدفاع عنه. فكما كتبت في رسالتي إلى الأخت منال موريس "إنّ كراسي وعصيّ المُخلَّعين والمشلولين والذين لا يستطيعون حراكاً، المعروضة في دير عنّايا، وعشرات آلاف الأعاجيب الجسدية والروحيّة التي حدثت ولا زالت، هي الإجابَة الصارِخة على قوّة المسيح يسوع ابن الله في شربل... وهي التي تدعو الجميع إلى الإيمان، على الأقل "من أجل الأعمال"(يو1038). وفي نظري، أنَّ القديس شربل هو مطر النعمة الذي لا ينفكّ يُمطره الله على أرضنا وعالمنا ليَرُدّنا إليه.
ولكن بإمكاننا التعليق على البرنامج في شكله ومضمونه: ففي الشكل، يبدو "أجنحة النسور" برنامجاً دينيّاً يُحاولُ عرض قضيّةٍ مُتّصِلَةٍ بتديّنِ جماعةٍ ما، تنتمي على ما أعتقد، إلى طائفةٍ تُشكِّلُ واحِدةً من الجماعات الخارجة عن الإصلاح البروتستانتي والبعيدة عن الأصول الأولى. أمّا في المضمون، فإنَّ هذا البرنامج يُحاول الإنقضاض على الكنيسة الكاثوليكية، في قديسيها ورجالاتها وعقيدتها وروحانيّتها وتديُّنها، عبر محاولة تشويه الصورة والمُقَدَّس، وهو ما باستطاعة المُشاهد-السّامع مُلاحظته من خلال عناوين ومضامين الحلقات التي تُبَثُّ تِباعاً.
في الشكل أيضاً، يستعمل البرنامج إسم يسوع المسيح بشكّل كثيف، إضافةً إلى عبارت أُخرى مثل "دم المسيح" وغيرها من تلك المُستقاة من الكتاب المقدّس، للتأثير بالمُشاهد ولحثّه على الإعتقاد باعتقاد الجماعة التي وراءه، وصحّة اعتقادها. ولكن في المضمون، فإنّه يفتقِر بشكل لا يقبَلُ الشكّ، إلى الأدبيات الإنجيليّة، وهو ما يبدو جلياً من خلال اللغة التي تلجأ إليها المُقَدِّمة للدفاع عن قضيّتها. والإنفعالية الزائدة عن حدّها والخارجة عن أصول اللياقة الاجتماعية. فاللغة المُستعملة، ساقطة وهابِطة وسوقيّة وساخرة، لا تُقيمُ وزناً لشعور الآخرين ولا لِمُقّدساتِهم، ويجدر بِها، في الأساس، أن تكون غريبة عن الإعلام بشكلٍ عامّ والإعلام الديني بشكل خاصّ، لأنَّ الدفاع عن قضيّة ما مُحِقّة، دينيّة كانت أم مدنيّة، يجب أن يِتَمُّ في إطارٍ صحّي وصحيح يَخلُقُ عند السامعين الرغبة في اعتناقِها أو تبنيها، وهو ما لا يتوفّر في هذا البرنامج. ومن ثُمَّ فإنَّ الإنفعالية الزائدة المصحوبة بالعصبيّة والصُراخ وعدم الإنضباط الحركي للجسد، لا تترك سلاماً في قلب المشاهد، بل تُشعره بأنّه أمام إنسان حاقِد يستبيحُ لنفسه كلَّ الوسائل لتحطيم خصمه، وهو غريبٌ أيضاً عن لغة الكتاب المقدس التي تعتصم بها مُقدّمة البرنامج؛ أولَيسَ "مَن يغضبَ على أَخيهِ يستَوجَب حُكْمَ القَضاء، وَمَن يقل لأَخيهِ: "يا أَحمَق" يستَوجَب حُكمَ المَجلِس، ومَن يَقُل لَه: "يا جاهِل" يستَوجَب نارَ جَهنَّم"(متى522).
وبالإنتقال إلى موضوع الحوار المسكوني، فإنَّ البرنامج المذكور يخرج أيضاً عن لياقات وأدبيّات التقارب والحوار الحاصل ما بين الكنيسة الكاثوليكية، والبروتستانتيّة، ويضرُّ بِها. فعنصرة التقارب الجديدة التي يقودها البابا فرنسيس، والتي تقوم على "إعادة اكتشاف الأخوّة، لفهم الرباط العميق الذي يوحّدنا على الرغم من اختلافاتنا"، لَم تُعرَف بعد عند جيل "أجنحة النسور"، ما يدعو إلى التساؤل حول هوية القيّمين على هذا البرنامج وغايتهم، وما يجعَلُ هذه الأجنِحة مُكَسَّرة، وما هو مُكسّرُ لا يستطيع أن يسير قُدُماً باتجاه الحقيقة ولا أن يقودَ إليها.
آن لنا أن، نبحث عن مساحة التلاقي فيما بيننا، وأن نهدم الجدار الفاصل ما بين المؤمنين بالمسيح يسوع، الذي هدم العداوة بين البشر بصليبه(أف216)، وجعل البعيدين قريبين(أف213) وصالحنا مع بعضنا البعض(روم510)، ومع الله أبيه.
وفي المُحصّلَة، انَّ رحمة الله الغزيرة التي ظهرت لنا في الإبن المُتجسّد يسوع المسيح، ظهرت لنا ولا تزال، في القديس شربل، الذي شأنه شأنّ القديسين الآخرين، آمن بالإبن فتمجّد به الإبن ومجّده، وأعطاه السلطان، "لا أن يعمل أعماله وحسب، بل وأعظم منها يعمل"(يو1412).