فيما يراوح الوضع السياسي اللبناني مكانه، في ضوء عقد تشكيل الحكومة العتيدة بعد تكليف سعد الحريري تأليفها، يتقدم الملف الفلسطيني سياسياً وأمنيًا، سواء لجهة انعقاد المؤتمر العام السابع لحركة "فتح" في مقر المقاطعة في رام الله برئاسة الرئيس محمود عباس "ابو مازن"، تزامنا مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في 29 تشرين الثاني الجاري، أو لجهة الضجة التي أثيرت على خلفية قيام الجيش اللبناني ببناء سور حماية في محيط مخيم عين الحلوة، في إطار خطةٍ أمنية لتوقيف المطلوبين.
مؤتمر "فتح"
في الملف السياسي، غادر مسؤولو حركة "فتح" في لبنان الى الضفة الغربية على دفعتين من أجل المشاركة في المؤتمر لانتخاب قيادة جديدة، ورئيس للحركة ونائب له، وأعضاء للجنة المركزية والمجلس الثوري، وإعادة ترتيب البيت الفتحاوي، وتجديد شرعية المؤسّسات القيادية في الحركة تمهيدا لتعزيز التنسيق مع الفصائل الفلسطينية، والعمل على إنهاء الانقسام، وتنفيذ المصالحة الفلسطينية.
وقد استقر عدد المشاركين "الفتحاويين" من لبنان على 59، بينهم 16 مراقبا و43 عضوا، أبرزهم أعضاء المجلس الثوري السفير أشرف دبور، أمين سر الساحة فتحي أبو العردات، رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية آمنة جبريل، فيما كانت اللافت عدم موافقة الاحتلال الاسرائيلي على مشاركة عضو المجلس الثوري جمال قشمر ومنعه منعا دائما من الدخول إلى أرض الوطن، علما انه شارك في أعمال المؤتمر السادس للحركة عام 2009 وانتخب عضوا في المجلس الثوري بالتزكية، وهو اللبناني الوحيد العضو في المجلس.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر فتحاوية لـ"النشرة" إن عقد المؤتمر السابع لحركة "فتح" هو استحقاق داخلي ولكنه وطني بإمتياز، اذ يأتي في ظل مرحلة صعبة يتعرض فيها الرئيس "ابو مازن" والشعب الفلسطيني الى ضغوط كبيرة، على قاعدة ان "التاريخ يعيد نفسه، فحركة "فتح" مرت بأزمات كبيرة، لكنها اجتازتها بقوة وصلابة مناضليها ومعهم الشعب الفلسطيني جميعا، واليوم سيجري تقييم المرحلة السابقة ووضع خطة للمستقبل تكون قادرة على النهوض بالحركة العملاقة".
وشددت على ان المسألة ليست تغييراً جذرياً او خلافه، اذ لا بُدَّ من تجديد شباب القيادة، وبالتالي فإنّ الهدف هو انتخاب بدلائل في المراكز التي شغرت بالوفاة أو بسبب آخر، أو قلّت فعاليتهم لأسباب متعدّدة، وقد اعتادت حركة "فتح" في كل مؤتمر أن تحتفظ بعدد من قادتها، وتختار آخرين من الكادر القيادي في الحركة، بحيث يكون هناك تواصل دائم من أجل استمرار المسيرة حتى تحقيق أهداف شعبنا الفلسطيني، موضحة انه لا بُدَّ من تواصل الأجيال بالاستفادة من خبرة الذين جُرّبوا وتقديم إضافات جديدة أيضاً، تجعل شعار ديمومة الثورة، مُجسداً من خلال تواصل الأجيال والتجديد الدائم، لافتة إلى ان القانون واضح، فوفق النظام الداخلي، اللجنة المركزية الجديدة هي التي تختار رئيس الحركة، واللجنة المركزية الحالية انتخبت الرئيس "أبو مازن" في المؤتمر العام السادس رئيساً للحركة، وتم استحداث منصب نائب رئيس، الذي انتخب له محمّد غنيم "أبو ماهر"، "وبالتالي لسنا بحاجة إلى استحداث منصب نائب رئيس، بل هذا جزء من النظام".
سور الحماية
وفي الملف الأمني، بقي سور الحماية في محيط عين الحلوة يتفاعل في الأوساط الفلسطينية، رغم أنّ الجيش حرص على توضيح كلّ الالتباسات التي أثارها، حين دحض كلّ ما حُكي عن جدار اسمنتي، وأوضح أنّ ما يجري بناؤه هو سور حماية في بعض القطاعات التي لا تشرف على التجمعات السكنية والمنازل في داخله، ويهدف إلى الحفاظ على سلامة المخيم ومنع تسلّل الإرهابيين إليه أو الخروج منه، بالإضافة إلى إغلاق الأنفاق المؤدية إلى بساتين المواطنين، كما أن هذا الموضوع قد جرى الاتفاق عليه خلال اجتماعات عقدت مسبقاً بين مسؤولي الفصائل الفلسطينية ومديرية المخابرات. كما جزم بأنّ جميع مداخل المخيم هي مفتوحة أمام حركة مرور الأشخاص والسيارات، والعمل جار على تسهيلها إلى الحد الأقصى، بعكس ما ذهب إليه بعض المصطادين بالمياه العكرة.
وفي هذا الإطار، أكدت مصادر أمنية لـ"النشرة" أنّ السور لم يكن الهدف منه حصار الشعب الفلسطيني وعزله عن محيطه اللبناني بأيّ شكلٍ من الأشكال، لافتة إلى أنّ الغاية الأساسية من إقامته كانت حماية اللاجئين الفلسطينيين القاطنين في المخيّم، الذي تحوّل في الآونة الأخيرة إلى خاصرة رخوة أمنية، مشدّدة على أنّ الجيش أراد من خلاله منع تسلل "مجموعات مسلحة من المخيم وتنفيذ أعمال إرهابية" او استهداف الامن اللبناني وقطع الطريق الساحلي الجنوبي المجاور للمخيم والتي تعبرها قوات الطوارئ الدولية باستمرار وعلى خلفية اعترافات امير تنظيم داعش عماد ياسين.
وفيما أسفت المصادر الأمنية للتعليقات غير الموضوعية التي خرج بها البعض من دون التدقيق بالموضوع، خصوصًا انّ الأجهزة الأمنية لم تباشر ببناء السور إلا بعد التنسيق مع الفصائل الفلسطينية، لفتت أوساط سياسية مسؤولة إلى أنّ القوى الفلسطينية هي التي أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه حين تقاعست عن تحمل مسؤولياتها، عبر تسليم المطلوبين الخطيرين الذين يتجاوز عددهم نحو 35 مطلوبا، يشكلون خطرا على الاستقرار اللبناني، أو عبر ضبط الامن بجدية بعيدا عن معادلة الامن بالتراضي التي لا تعتمد مبدأ العقاب ما يشجع هؤلاء على المزيد من الاعمال التوتيرية دون حسيب او رقيب.
في المحصّلة، وبعيداً عن الضجة المفتعلة التي أثارها البعض لغايةٍ في نفس يعقوب ربما، يبقى الأكيد أنّ الجيش اللبناني كان وسيبقى حريصاً على تعزيز العلاقات اللبنانية الفلسطينية، وما إقامة السور لحماية المخيّم لا لعزله سوى خير دليلٍ على ذلك...