يقول الرئيس نبيه برّي «انا مع تأليف الحكومة امس قبل اليوم ،وكل يوم يمرّ من دون تأليف يضيّق الخناق على قانون الإنتخاب ويشكل خطرا على مصيره»، ويذكّر بانه كان المبادر في العمل لولادة الحكومة قبل عيد الإستقلال ،وهي رغبة جمعته والرئيسين ميشال عون وسعد الحريري بعد انتخاب رئيس الجمهورية.
ومنذ الحظة الأولى لمفاوضات التأليف اعلن صراحة انه ليس في صدد المطالبة بحصة الشيعة فحسب بل انه يحرص ايضا على اشراك وحصص الحلفاء وفق قواعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني .
لم يذهب بري بعيدا في هذه المطالب بقدر ما سعى الى الالتزام باصول وقواعد تأليف الحكومة الجامعة خارج لعبة الإقصاء التي تستهدف الحلفاء وفي مقدمهم النائب سليمان فرنجية وتيار المردة.
ومما لا شكّ فيه ان اشراك فرنجية في الحكومة ليس منّة من أحد، أكان استنادا لحساب التمثيل الشعبي في الشارع المسيحي أو في حساب الوفاق الذي اقرّ الجميع به ـ علنا على الأقل ـ ليكون عنوان الحكومة العتيدة.
ووفقا لهذه القواعد فان من حق فرنجية ان يطالب بحقيبة اساسية ووازنة، خصوصا في ظل لعبة تقاسم وتوزيع الحصص التي بادر الآخرون الى اعتمادها لا سيما من داخل الصفّ المسيحي.
ولم يعد سرّاً، كما تقول مراجع مطلعة،ان الهاجس الأنتخابي يحكم التعامل مع تأليف الحكومة لا سيما عند بعض الحالمين باكتساح المقاعد النيابية المسيحية في المجلس المقبل .
وفي هذا الإطار تبرز طريقة تعاطي التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية مع فرنجية والكتائب . فالثنائي المسيحي ترجم هذه الرغبة في «بروفه» بعض المعارك الإنتخابية البلدية قبل اكتمال تفاهمهما في انتخاب الرئيس عون، وهما في صدد استكمال سيناريو التحالف في الإنتخابات النيابية المقبلة لاقتسام المقاعد النيابية المسيحية في معظم الدوائر او قدر المتاح والمستطاع.
وحسب المراجع، يبدو ان الإتفاق بينهما تجاوز مسألة اقرار قانون جديد للإنتخابات ليكون مرسوما ايضا على قياس قانون الستين الحالي على عكس ما كان يطالب به كل منهما في السابق .
ففي حسابات الثنائي المسيحي ان تحالفهما يشكل تعويضا مقبولا وجيدا عن السعي الى اقرار قانون جديد،ويفتح القنوات مع اطراف اخرى تحبّذ ابقاء قانون الستين لاجراء تسويات على بعض المقاعد المسيحية.
فالتيار العوني يريد من هذا الإتفاق ان يحافظ او «يؤمن» الكتلة المسيحية الأكبر مع تعديل يلحظ القبول بالشريك الثاني اي القوات اللبنانية التي تسعى الى مضاعفة عدد كتلتها . وبذلك يكون قد ضمن رصيدا نيابيا قويا يستند اليه الرئيس عون في عهده ، وحافظ ايضا على حصة نيابية وازنة.
وتنظر القوات اللبنانية الى اتفاقها مع التيار على انه المعبر المهم اولاً لتعزيز حضورها في الندوة النيابية ، وثانياً للتحضير لمرحلة ما بعد العهد الحالي اي لتحقيق الحلم بوصول الدكتور سمير جعجع الى قصر بعبدا.
من هنا ، يبرز الهاجس الإنتخابي لدى الثنائي المسيحي في عملية تشكيل الحكومة وسعيهما معا لاقتناص الوزارات السيادية والاساسية والخدماتية ايضا ومحاولة حجبها عن الآخرين لا سيما المسيحيين منهم.فالتيار العوني يصر على اخذ حقيبة الطاقة الى جانب الخارجية والدفاع وغيرها من الوزارات المتاحة في حساب حصته وحصة رئيس الجمهورية، والقوات تصر على اخذ وزارة الأشغال بعد مناورة المطالبة بحقيبة سيادية وضمان حصة مضاعفة من الوزراء .
وبغض النظر عن خلفية وإشكالية وعد الحريري لها بهذه الحقيبة، فإن هذا الوعد يلبي اولا مطلبها وطموحها ويراعي ثانيا التفاهم العوني ـ القواتي على حساب الآخرين،ويصعّب ثالثا عملية تأليف الحكومة ويؤخر ولادتها.
ووفقا للمعلومات المتوافرة حتى الآن فإن صعوبة ولادة الحكومة لا تنحصر بحقيبة الأشغال وحقيبة فرنجية ،بل انها ناجمة عن هذا الإستئثار بالحصص الفضفاضة للبعض على حساب التوزيع الموضوعي للوزارات والحقائب في الحكومة الموعودة. وهذا النهج يصيب ايضا النائب وليد جنبلاط الذي يكاد يخرج عن طوره بعد ان ضيّقت تشكيلة ال24 وزيرا خياراته خصوصا انها جاءت مقرونة بمحاولات اعطائه حصة غير وازنة او اساسية.
ويبدو ان مفاوضات التأليف لم تخرج ولن تخرج من المراوحة اذا ما بقي الهاجس الإنتخابي هو السائد في حسابات البعض.والأمل معقود على تجدد المفاوضات في الأيام القليلة المقبلة وتغيير طريقة التعاطي مع تأليف الحكومة. اما التلويح باصداص3ر المراسيم خارج التوافق فهو اكبر من مغامرة.