الرسالة الواضحة التي وُجِّهت إلى الرئيس ميشال عون تطلب اليه الالتزام بالتحالف الاستراتيجي مع «حزب الله»، في سياسته الخارجية وفي حفظ التوازنات الداخلية التي يريدها الحزب، أكدت أنّ عون قد يكون وصل فعلاً الى مرحلة التفكير بإعلان التشكيلة الحكومية بما لا يرضي «حزب الله»، ولا حليفيه الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية.ويأتي خروج الخلاف الى العلن نتيجةً لمسارٍ بدأ بعد 31 تشرين الأول، حاول فيه العهد أن يتمايز عن «حزب الله» ولو بالشكل، مدعوماً من «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل»، وهذا ما ولّد نقزة لدى الحزب ترجمها بشكل غير مباشر على لسان حلفائه وعبر وسائل إعلام صديقة.
في كواليس تشكيل الحكومة هناك مَن يقول إنّ الرئيس عون متّجه فعلاً الى إعلان التشكيلة الحكومية حتى بعد تلقيه رسالة «حزب الله»، وإنّ هذا الإعلان يضع في الاعتبار إمكان أن تسقط الحكومة المشكلة، سواءٌ بانسحاب الوزراء الشيعة منها، فتصبح حكومة تصريف أعمال، أو بتحويلها الى حكومة مشلولة، لكنّ هذا التفاؤل تقابله من جهة ثانية توقعات واقعية بأن لا تعلن هكذا حكومة، حتى ولو طال أمد التعطيل، وذلك لاعتبارات كثيرة أهمها أنّ الرئيس عون سيصبح مباشرة في مواجهة «حزب الله»، مع ما تحمل هذه المواجهة من نتائج يعرفها الرئيس جيداً، وهو بالتالي لن يخطو خطوة تحدٍ تؤدّي الى فرملة عهده من بدايته، وتهدّد تحالفه مع الحزب.
في العودة الى المرحلة الماضية، يمكن الملاحظة أنّ «حزب الله» لم يتطرّق الى الثلث المعطل لا سلباً ولا ايجاباً، على رغم أنّ الرئيس نبيه بري يسعى الى نيل هذا الثلث، وهذا طبيعي في سياق التفاوض الذي يقوده رئيس المجلس مفوَّضاً من الحزب، وهو تفاوض تمّ اختباره في مرحلة ما بعد الدوحة حيث كان تشكيل الحكومات يتأخر أشهراً، واحياناً يتجاوز السنة، وكان في المحصلة ينتهي بتحقيق مطالب «حزب الله» بشكل كامل، بما يتعلق بنيل الثلث المعطّل، وبنيل حصص الحلفاء وأبرزهم آنذاك العماد عون.
وإذا كان التاريخ يعيد نفسه، فهو هذه المرة يتكرّر بشكل فيه كثير من الغرابة، إذ إنّ الرئيس بري أصبح اليوم المفوَّض بالتفاوض على تشكيل الحكومة، ويتبيّن أنّ «حزب الله» سحب التفويض الشهير من العماد عون، الذي أمسك بقرار من «حزب الله» بورقة الحكومة مفاوِضاً باسم بري و«حزب الله» مجتمعين، وإن كان بري يومها غير راض لكنه وافق، وعلى هذا الأساس جمّد تعطيل الحكومة أشهراً، حتى رضخ الجميع الى إعطاء الوزير جبران باسيل ما يريد، فيما تحوَّل باسيل اليوم الى الموقع المتضرِّر من تأخير تشكيل الحكومة.
واليوم يتكرّر التفويض الذي يعني أنّ تشكيل الحكومة لا يمكن أن يمرّ إلّا عبر المفوَّض، وهذا كان أمراً متوقعاً.
في مجلس سبق انتخاب الرئيس عون بيومين، رسم أحد العارفين المعارضين لـ«حزب الله» مسار ما سيحصل وقال: هل تعرفون الى أين نحن ذاهبون؟ أضاف: السيد حسن نصرالله أعطى وعداً صادقاً للعماد عون بانتخابه رئيساً، وهذا ما سيتم، والسيد نصرالله سيعطي وعداً صادقاً للرئيس نبيه بري بأن يمرّ تشكيل الحكومة من عنده وهذا ما سيتمّ.
في الحالة الأولى انتظر لبنان سنتين ونصف مع الخسائر لكي يتحقق الوعد، وفي الحالة الثانية، سوف ننتظر الكثير لكي يتحقق الوعد لبري، وتوقعوا أن يجلس رئيس المجلس في منزله دون أيّ قلق أو انتظار، وسيأتي اليه الرئيس سعد الحريري بتشكيلة بعد تشكيلة، لكنّ «حزب الله» سيفرض مطالبه كاملة في النهاية، ولن تكون حكومة من دون موافقة بري، وهي الموافقة التي تعني رسم توازنات الحكومة بما يناسب «حزب الله»، وبما يقدّم كلّ الضمانات لكلّ حالات الطوارئ، والأجدى، أضاف ساخراً، أن تتمّ تلبية مطالب الحزب منذ البداية، لكي لا يقع الجميع في متاهة الوقت الضائع وغير المجدي.
لم يعلن «حزب الله» بعد انتخاب الرئيس عون تفويضاً للعهد الجديد بتشكيل الحكومة، بل ذهب الى رسم التوازن المقبل داخلها الذي لا يترك مكاناً للقوى التي دعمت الرئيس عون، وأبرزها «القوات اللبنانية»، بحيث لا تستطيع حجز مكان لها داخل هرمية السلطة.
رسالة «حزب الله» الى العهد الجديد، باتت واضحة. لا يمكن القفز فوق بري الذي تمثل مطالبه مطالب الحزب، ولا يمكن الموافقة على أيّ اتفاق عقد مع الحريري قبل 31 تشرين الأول، وبات العهد أمام خيار انتظار التشكيل الصعب، من دون وجود فرصة للاعتراض.
أما إذا قرّر الرئيسان عون والحريري إعلان أيّ تشكيلة، فإنها ستمرّ حكماً عبر تنازل سوف يطال طرفاً من ثلاثة: إما يتنازل عون عن الطاقة أو «القوات اللبنانية» عن الأشغال، أو «المستقبل» عن الاتصالات، وفي كلّ الأحوال سوف يكون ذلك إن حصل، التمرين الأوّل على «تدجين» العهد، الذي يواجه 6 شباط سياسياً بتوازنات قد لا تكون لمصلحته.