يمر المسيحيون في لبنان بمرحلة جد حساسة قد تكون نتائجها عليهم اذا ما كانت سلبية، اكثر خطورة من مرحلة الأحباط التي رافقتهم نتيجة سقوط قصر بعبدا، وما تبع ألأمر من نفي وأعتقالات لقياداتهم وما رافقها من تنكيل بالناشطات والناشطين المسيحيين ما دفع بعدد كبير من ابناء هذه الشريحة للهجرة خوفا من الممارسات الداعمة للنظام الامني.
لكن الرهان طيلة هذه الحقبة السوداء بأستعادة الحضور ورفع الظلامة ووقف التعدي عليهم، بدأ يترجم عمليا بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري ودخول لبنان مرحلة جديدة بقي خلالها المسيحيون في حالة وهن وصراع سياسي حاد في ظل غياب تام عن المشاركة في القرار حيث شكل ألانقسام امتدادا لزمن ألأحباط حيث كانت القوى ألأخرى مالكة للمبادرة على أكثر من صعيد.
ثم شكل تفاهم معراب بين رئيس تكتل التغيير وألأصلاح العماد ميشال عون وبين رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع محطة انهت عقودا من الخلاف القوي ومن شأنها ان تعيد المسييحين الى دائرة القرار التي كانوا خارجها وذلك نظرا للحجم الشعبي ـ السياسي لكل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وتبع التفاهم هذا مواقف وسجال بين الثنائي المسيحي وبين غير قوى مسيحية حول احقيته في التعبير عن مواقف هذه الشريحة وخلفية اهدافه ألألغائية على ما اعتبر الفريق السياسي الذي تواجه او تحالف مع كل منهما في ألأستحقاق البلدي الاخير سواء كانوا منفردين او متكافلين
لكن ما يواجه هذا الثنائي من تحديات بعد تبوّء عون رئاسة الجمهورية بات يضع المسيحيين امام مفترق طرق تتوزع بين الاطمئنان الى الوجود ام اليأس من الشراكة وفق التالي:
ان وجود عون في رئاسة الجمهورية كممثل لشريحة واسعة من المسيحيين مدعوماً من القوات اللبنانية على هذا الصعيد وكذلك من حليفه حزب الله وتبني ترشيحه من قبل رئيس تيار المستقبل سعد الحريري جعل المسيحيين اليوم في افضل موقع داخل المعادلة اللبنانية بما من شأنه ان يعزز نظرتهم نحو الدولة كحاضنة ويطمئنهم نحو المستقبل. وذلك اذا تُرك لعون ان يعمل بالحد الأدنى له وتتمثل القوات بحجم متكامل مع دورها وحضورها.
ثانياً: ان عدم قدرة الثنائي عون- جعجع على تأمين طمأنة للمسيحيين في ظل تفاهمهما وسعيهما لان تكون لديهما حصة وازنة داخل الحكومة بحيث سيظهر رئيس البلاد مشلولا وغير قادرا على تعزيز التمثيل الوزاري للقوات بحيث ينكسر عون - جعجع- باسيل وهم في قمة قوتهم وتحالفهم امام رئيس حركة امل ورئيس مجلس النواب نبيه بري من شأنه ان يوجد حالة يأس في الوسط المسيحي تتجاوز حالة الاحباط بدرجات بحيث يتبين للمسيحيين انه ممنوع عليهم ان يترجموا مشاركتهم في الصيغة اللبنانية وقد بات موقف بري يشكل المسار الطبيعي لأجهاض انطلاقة عهد عون حتى ان تداعيات عرقلته تأتي مضاعفة نظراً لموقعه كأحد اقطاب الثنائية الشيعية التي يعتبر عون حليفا لها في خياراتها الاستراتيجية، فبري يريد تشتيت التحالف تجنبا لتشكيله ثلث متكامل الى جانب رئيس البلاد ودعم خياراته وتعزيز قراراته في ظل تواضع صلاحياته الى حدها الأدنى.
ويأتي الكلام في هذه الاوساط من باب المقارنة بين احترام الرئيس الحريري للشريك المسيحي ترجمة لاتفاق الطائف وانتخابه عون وسعيه لتأمين واقع متوازن مع سائر القوى حتى أبان خلافه السياسي مع بعض منها وبين بري الذي يضرب بعرض الحائط حجم هذا التمثيل المسيحي رئاسيا وشعبيا ويندفع مع من هم معه وخلفه في اتجاه نسف اتفاق معراب وفك التحالف بين عون وجعجع لاستفراد المسيحيين واضعافهم وكأنه مراد بهم ان يعود عون الى المنفى وجعجع الى المعتقل واستعادة زمن التنكيل بهم، فبعد تجربة الخلاف ومن ثم مرحلة النوايا والتفاهم تقدم الاوساط في هذا المحور مسألة التفاهم على حساب تقوية دور رئاسي على غرار لحس المبرد من خلال دفع عون - باسيل للانقضاض على القوات وعدم ترجمة الوعد الوزاري معها.
وفي منطق اوساط سياسية على صلة بحزب الله ان الكلام عن وجود تحفظ حزب الله على اداء وسياسة كل من عون وباسيل في غير مكانه موضحة بأن بري يدفع الامور نحو إفقاد الحزب للشريك المسيحي بما يكشفه وطنيا على غرار ما كانت تسعى اليه 14 آذار في عدة محطات. فما يقدم عليه بري من تحدٍ لعون هو امر لا يتحمله حزب الله لا سيما ان رئيس مجلس النواب يريد ان يظهر قوته على توزير مسيحيين على غرار المردة والقومي والحصول على وزير مسيحي في مقابل ادراج رئيس الجمهورية لوزير شيعي من ضمن حصته
وتجد الفاعلية بأن باسيل لم يخطئ استراتيجيا مع حزب الله وكلامه الاخير في جولته الاغترابية ومجاهرته بأن اسرائيل هي العدو الوحيد للبنان في ظل مجتمع دولي متفاعل معها يؤكد على ان لا اخطاء في هذا الحقل ولذلك ليس بعيدا ان يدخل الحزب على خط تسوية الأمور بين عون وبري اثر تفاقمها الى هذا الحد.