كل المؤشرات توحي بأن معركة تحرير ما تبقى من أحياء مدينة حلب الشرقية تقلق جبهة "فتح الشام"، أي جبهة "النصرة" سابقاً، لا سيما أن خطوة الإعلان عن "فك الارتباط" مع تنظيم "القاعدة" لم تحقق الأهداف المرجوة منها، حيث الخوف من أن تكون مدينة ادلب، التي تسيطر عليها الجبهة بشكل شبه كامل، وجهة عمليات الجيش السوري المقبلة، بعد أن تحولت إلى مركز لتجميع المسلحين الخارجين من مختلف المدن والبلدات.
عندما قررت "النصرة" الإعلان عن الإبتعاد عن "القاعدة"، كانت تطمح إلى حذف اسمها من لائحة المنظمات الإرهابية، الأمر الذي يسهل عملية إندماجها مع باقي الفصائل، خصوصاً أن روسيا كانت تسعى، في ذلك الوقت، إلى الوصول إلى تفاهم مع الولايات المتحدة حول إستهدافها ضمن الحرب على الإرهاب، لكن على أرض الواقع لم يحصل أي شيء، بل على العكس، كل إقتراحات الهدنة في حلب تنص على إخراج عناصرها من المدينة، سواء بصورة منفردة أو مع باقي الجماعات المعارضة.
في هذا السياق، برزت في الأيام الأخيرة مفاوضات بين بعض المجموعات المسلّحة والحكومة الروسية في تركيا، تناولت خروج عناصر "فتح الشام" مقابل إعلان هدنة وإدخال مساعدات إنسانية بإدارة المجلس المحلي في حلب، بالتزامن مع حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن طلب واشنطن تأجيل بدء المشاورات بين البلدين، التي تنص على وقف لإطلاق النار يدخل حيّز التنفيذ بعد الاتفاق على مسار وتوقيت خروج المقاتلين، بعد أن كان قد كشف أن نظيره الأميركي جون كيري، سلمه مقترحات حول تسوية في حلب تنسجم مع المواقف التي تتمسك بها بلاده، إلا أن المفاجأة الثانية كانت بقيام عناصر من "فتح الشام" بدهم مقرات فصيلي "جيش الإسلام" و"فيلق الشام" في شرق حلب ومصادرة أسلحة وأموال ومعدات.
وعلى الرغم من أن الجبهة وضعت ما حصل في إطار "أخذ سلاح من قعد عن الرباط"، توضح مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن "فتح الشام" تخشى حصول تسوية تكون على حسابها، في ظل إصرار روسيا على إخراجها من حلب، وهي تعتبر أن ضمن الفصائل المعارضة من قد ينقلب عليها، لا سيما المجموعات القريبة من تركيا، نظراً إلى أن أنقرة ترغب بالوصول إلى تسوية مع موسكو، تضمن لها الدخول إلى مدينة الباب مقابل التخلي عن حلب أو إخراج الجبهة منها، وتضيف: "في الحالتين "فتح الشام" ستكون الخاسر الأكبر، لأّنّ ذلك سيكون دليلاً إضافياً على أنها أساس المشاكل التي تعاني منها قوى المعارضة".
وفي حين تشير هذه المصادر إلى أن هناك بالفعل فصائل متضامنة مع "فتح الشام" في موقفها، أي أنها ترفض مغادرة الجبهة أحياء حلب الشرقية، تؤكد بأن هناك من يسعى إلى الوصول لتسوية، بعد أن أيقن أن هذه المعركة عبثية، خصوصاً أن الجيش السوري نجح، مع حلفائه، بأحراز إنتصارات كبيرة وسريعة، وبالتالي لم يعد هناك من خيار إلا الإستسلام والخروج أو القتال حتى الموت، بالتزامن مع وجود مجموعات أخرى لا تستطيع الإبتعاد عن عباءة الدعم التركي، الذي يركز اليوم على عملية "درع الفرات" دون سواها من العمليات العسكرية، ولا يريد الدخول في مواجهة مع الجانب الروسي، على إعتبار أن ثمن ذلك سيكون باهظاً.
وتوضح المصادر نفسها أن موسكو تريد الإنتهاء من العمليات العسكرية في هذه المدينة قبل نهاية العام، أي قبل تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب زمام الأمور في البيت الأبيض، لفرض معادلة جديدة على طاولة التفاوض، وهي لتحقيق هذا الهدف تمارس سياسة "العصا والجزرة"، فمن ناحية تعزز العملية العسكرية التي تقودها ومن ناحية أخرى تقدم مبادرات تسوية إلى بعض فصائل المعارضة، وتراهن على أن يقود الضغط إلى الحل أو الشرذمة في أسوأ الحالات، وترى أن هذا الأمر قد يقود إلى إنتقال العمليات العسكرية إلى إدلب، التي تعتبر من أهم معاقل "فتح الشام"، حيث لن يكون هناك من خيار حينها إلا الإستسلام أو القتال حتى الموت، نظراً إلى أن التسويات في أماكن أخرى كانت تحصل مقابل الإنتقال إلى تلك المحافظة.
في المحصلة، معركة حلب لن تكون مصيريّة على مستوى الأزمة السوريّة فقط، بل أيضاً على مستوى واقع جبهة "فتح الشام"، التي تسعى إلى البقاء بعيدة عن دائرة الإستهداف.