تطوّر التعاون العسكري الأمني السوري ــ المصري بشكل مطّرد في الآونة الأخيرة، عطفاً على ازدياد التهديد الإرهابي لمصر وانخراط الجيش السوري في معركة ضارية ضد الإرهاب. أمن سوريا من أمن مصر يتجسّد بانتشار حوالى 200 خبير وضابط مصري على كامل الجبهات السورية
مع استمرار الحرب في سوريا وتوسّع قاعدة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء المصرية وفي الشرق اللّيبي وتوسّع جماعة «بوكو حرام» الإرهابية في الوسط الأفريقي وصولاً لسواحل أفريقيا الغربية، لا تجد مصر بُدّاً من التعاون العسكري والأمني مع الجيش السوري والأجهزة الأمنية السورية، في سياق حماية الأمن القومي المصري من خاصرته الاستراتيجية سوريا، والاستفادة من التجارب والخبرات السورية في الحرب على الإرهاب على مدى خمس سنوات من الحرب.
ولم يعد كافياً اعتبار الجيش السوري الجيش المصري الأوّل، من دون ترجمة عمليّة لهذا الاعتبار، بدءاً من تبادل الخبرات العسكرية والأمنية بين الجيشين والأجهزة الأمنية في البلدين، وصولاً إلى إعلان مصر دعمها للجيوش الوطنية في سوريا والعراق وليبيا، والحفاظ على الدول في هذه البلاد، بديلاً من التقسيم والإرهاب وفوضى الميليشيات.
وفيما كشف كلام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع التلفزيون البرتغالي يوم 22 تشرين الثاني الماضي حول «دعم الجيش الوطني في ليبيا، وكذلك في سوريا والعراق»، عن عملية تصاعدية لتعاون عسكري مصري ـــ سوري بدفع روسي، تكشف معطيات الميدان حضورا فعليا لمستشارين عسكريين وأمنيين ومدرّبين مصريين في سوريا إلى جانب وحدات الجيش السوري، وفي أروقة رئاسة الأركان السورية في وسط دمشق.
بعد زيارة رسمية لرئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك على رأس وفد من كبار ضباط الاستخبارات السورية إلى مصر، ولقائهم نائب رئيس جهاز الأمن القومي المصري ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء خالد فوزي منتصف تشرين الأول الماضي، انتقلت إلى سوريا في بداية شهر تشرين الثاني مجموعة من الضّباط المصريين، الأمنيين والعسكريين، في سياق برنامج تعاون عسكري أمني بين البلدين هدفه مكافحة الإرهاب وتبادل الخبرات، برعاية روسية مباشرة.
وبحسب المعلومات، فإن الخبراء الأمنيين والعسكريين موزّعون على أكثر من مركز تنسيق، بدأت في رئاسة الأركان السورية في دمشق وفي قاعدة حماه الجويّة، وتوسّعت مؤّخراً لتشمل قاعدة حميميم الجويّة، ومطار «التي. فور» في ريف حمص الشرقي، فضلاً عن انتشار مجموعة من المستشارين الأمنيين والعسكريين في عدد من غرف العمليات العسكرية السورية، من درعا إلى حماه إلى جورين في منطقة سهل الغاب. ويعمل الضبّاط السوريون والمصريون على تبادل الخبرات في ما بينهم، وخاصة نقل خبرات الجيش السوري في مكافحة الإرهاب بشكل مباشر إلى غرف عمليّات الجيش المصري التي تخوض معارك ضدّ الإرهاب في شبه جزيرة سيناء.
رفع مستوى التنسيق والتعاون المصري ــ السوري عسكريّاً وأمنياً كان أيضاً محور لقاء بين أحد أبرز الضّباط الأمنيين المصريين ومملوك، في زيارة قام بها وفد مصري يوم 24 تشرين الثاني الماضي عبر طائرة خاصة حطّت في مطار دمشق الدولي. ودام الاجتماع بين المسؤولين الأمنيين في البلدين لمدّة تزيد على أربع ساعات، جرى خلالها بحث التنسيق الأمني، وإمكان إنشاء مركز استطلاع مشترك في مطار «التي. فور» القريب من المناطق التي يحتلها تنظيم «داعش» الإرهابي. وبحسب المعلومات، فإن عدد الخبراء المصريين على الأراضي السورية، قد يصل إلى حدود الـ 200 مع نهاية العام الحالي. ومن المتوّقع في الأيام المقبلة، أن تصل إلى ميناء طرطوس العسكري على متن قطعة عسكرية بحرية مصرية، كتيبة هندسية من الجيش المصري، مهمّتها نزع الألغام والعبوات الناسفة لتبدأ أولى مهماتها في الأحياء المحرّرة من مدينة حلب، بالتعاون الكامل مع القوات السورية والروسية.
وإذا كان السقف السياسي المصري للتعاون مع سوريا والوقوف إلى جانب الدولة السورية قد بدأ يتبلور ويرتفع، فإنه من المتوقّع أن يرتفع السقف السياسي المصري اتجاه دعم الجيش والدولة السورية، مع انتقال السلطة في الولايات المتحدة الأميركية بشكل كامل إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب وإدارته الجديدة. فبالنسبة لمصر، لم يعد ممكناً القبول بالمعادلات السياسية الحالية مع توسّع الإرهاب وانتشاره في المحيط المصري، بما يهدّد أمن مصر بشكل جدّي، وخصوصاً وسط الحديث عن إمكانية لجوء تنظيم «الإخوان المسلمين» إلى إشعال الساحة المصرية مجدّداً بعمليات أمنية قاسية. كذلك لم يعد ممكناً ترك الساحة لأجهزة الاستخبارات التركية والقطرية للعب وحيدةً في سوريا والعراق، في ضوء معلومات تفصيلية عن دعم الدوحة لمعسكرات تدريب لإرهابيين مصريين في محافظة إدلب، التي تحوّلت إلى قاعدة تجمّع للجهاد العالمي، وانتقال هؤلاء إلى العمل الأمني الإرهابي في الميادين المصرية. الأداء المصري «الميداني» يبدو متناقضاً مع كون مصر هي واحدة من ثلاث دول تقدّمت أول من أمس بمشروع قرار إلى مجلس الأمن يطالب بوقف القتال في مدينة حلب، من دون إخراج المسلحين من الأحياء الشرقية. لكن سرعان ما أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً فجر أمس عبّرت فيه عن استيائها من إصرار بعض الدول على طرح مشروع القرار على التصويت، من دون استكمال النقاش بشأنه.
مصدر دبلوماسي مصري أكّد لـ«الأخبار» أن التعاون بين الجيشين مستمر منذ ما قبل اندلاع الأزمة في سوريا، وأنه يأتي في السياق الطبيعي للتعاون بين جيشين هما في الأصل جيش واحد. ولفت إلى أن التنسيق وتبادل المعلومات الأمنية بين القاهرة ودمشق لم ينقطعا حتى في عهد الرئيس السابق محمد مرسي. وأكّد أن وجود تنسيق بين الجيشين لا يعني مطلقاً مشاركة مصر في الحرب السورية، لأن رؤية القاهرة الاستراتيجية قائمة على «رفض عسكرة الأزمة السورية».