خسرت الدول الداعمة لجيش "الفتح" ورقة ضغط جديدة على الدولة السوريّة، ولم تعد تمتلك اوراقا كثيرة في الميدان السوري من ريف دمشق الى حلب، الحوار الميداني لم يثمر سوى خسارات متتالية لها، سقط مشروعها الكبير باسقاط النظام ولم يعد لديها ما هو مؤثّر، فقد كانت تستند على حلب كآخر ورقة ضغط لها؛ وحاولت جاهدةً السيطرة الكاملة على المدينة لكن الان هي في مأزق انهيار مسلحّيها داخل المدينة.
قبل شهر تقريبا، كاد جيش الفتح أن يدخل المدينة من الغرب ويشق احياء المدينة الى قسمين، آنذاك جهّز عددًا من العربات الإنتحارية المفخخة وفجرها قرب قيادة الحرس الجمهوري في اطراف احياء حلب الجديدة، واصيب قائد الحرس الجمهوري اصابة متوسطة من شدة الانفجار العقيد سهيل الحسن الضابط الابرز في الجيش السوري الّذي كان منشغلا في معركة ريف حماه الشمالي.
وحسب مصادر ميدانية فإن عناصر جيش الفتح كادوا ان يخروا بثغرة جديدة باتجاه احياء حلب الشرقية، في وقت كانت موسكو مصرّة على التهدئة وافساح المجال للحوار والاتفاق مع أنقرة لاخراج "جبهة النصرة" من الاحياء وعقد اتفاق مع المسلحين لاتمام التسوية مع الدولة السورية.
فكان الاصرار الروسي على التهدئة مثار انتقادات مسؤول أمني سوري رفيع الذي كان يردد في مجالسه الخاصة بان "الروس ابتلعوا الطعم"، واصبحوا يريدون التهدئة والحل بالحوار، فيما الارهابيون يستغلّون الهدنة لاسقاط المدينة.
المسؤول الّذي تمنّى عدم الكشف عن اسمه يوضح لـ"النشرة" السبب أن الاتهامات ضد روسيا بقتل المدنيين كبّل ايديهم واجبرهم على فرض الهدنة، والبحث عن حلول سياسيّة حرصًا على صورتهم امام الرأي العام الروسي والعالمي، لكن بعد الهجوم اكتشف الروس انهم تعرّضوا لخديعة، اذ استغلّ مُشغّلي المسلحين المفاوضات الجارية بشأن حلب لشن هجوم كبير عليها وقلب المعادلات في وقت كانت الولايات المتحدة منشغلة بانتخاباتها الرئاسية.
وقد استدعت القيادة السورية القوات الرديفة بشكل طارئ لوقف تقدم جيش الفتح وامرت العقيد الحسن بالانتقال سريعا من حماه الى حلب، وتم تعيين العميد جمال يونس رئيساً للجنة الامنية المعروف بخبرته في معارك حماه لوقف اي هجوم مضاد في المنطقة، وقتذاك اتخذت القيادة السورية قرارا بانهاء معركة حلب مهما كلف الامر، وجرى التشاور مع القيادة الروسية وتم الاتفاق على التنسيق الكامل بين جميع القوات من جيش سوري وحلفاء للاسراع في انجاز المهمة قبل بدء ولاية الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب، وكان تشديد على التنسيق التام والاندماج في غرفة عمليات واحدة، بعد ان كانت كل قوة تعمل في قطاع ونطاق جغرافي معيّن.
في هذا السياق، نجحت القوات السورية في المرحلة الأولى مع حلفائها باسترجاع المناطق التي خسرتها غرب حلب وثبّتت القوات الرديفة مع الحرس الجمهوري والحلفاء من داخل المدينة، فيما قام العقيد الحسن والحلفاء بالالتفاف حول المنطقة، ليستعيد السيطرة خلال عشرة ايام استعادة على المنطقة بشكل كامل.
أمّا المرحلة الثانية، كانت في احياء حلب الشرقية حيث تم درس جميع الخيارات، اولا العمليّة معقّدة إذ أنّ الدخول في معارك شوارع سيطيل أمدها، ويتجاوز مهلة تسلم ترامب الادارة الاميركية، وثانيا وجود المدنيين الّذي يصعّب المعركة، ولذلك اتخذ العقيد الحسن خيار القضم السريع كما فعل سابقا في كويريس وحدّد أقوى نقطة للمسلحين في مساكن هنانو وقصفها بشكل متواصل لمدة اسبوع ليبدأ بعدها اقتحام المنطقة على وقع انهيار المسلّحين من شدّة القصف العنيف، في حين كانت القوات السوريّة مع الحلفاء تتقدّم من الجهة المقابلة في بستان الباشا، ليتهاوى المسلّحون على الجبهتين من حوالي 12 منطقة دفعة واحدة خوفا من حصارهم في بقعة صغيرة وفصلهم عن بعضهم البعض.
حاليا يلتفّ 40 الف مقاتل حول المدينة ويضغطون من كل الاتجاهات بكافة الأسلحة النارية، في عملية استنزاف للمسلحين لتسليم المدينة بسرعة والخروج منها خلال شهر، فيما يراهن المسلحون على الصمود لحين وصول الرئيس الاميركي الجديد لخلق معادلة جديدة، وقد استقدموا راجمات صواريخ من ريف حلب الشمالي لقصف الاحياء المدنيّة والضغط على القيادة السورية لوقف المعركة. عمليا طويت الصفحة حيث سيقابل الهجوم الهجوم بهجوم مضاد، في حين أن الغرب سلّم بخسارة حلب واتّخذت دمشق قرارا حاسما أنّها لن تترك مواطنيها رهينة لدى الارهابيين وان الحسم لن يتأخر.
ما بعد حلب المدينة تبقى العين على الفوعة وكفريا وما سيليه من ابعاد للمسلحين من الزبداني ومضايا الى إدلب الّتي لها حسابات أخرى مع الباب والمناطق الشرقية، على أن يتعامل الجيش السوري في المدى القصير مع الغوطة الشرقية وجوبر.