بعد انسداد أفق التأليف نتيجة تمسك الأطراف السياسية بمواقفها من توزيع الحقائب، يبدو ان ثمة محاولات تجري بعيداً عن الأنظار لفتح كوة في جدار الأزمة الحكومية والحؤول دون الدخول في الفراغ الحكومي على غرار الفراغ الرئاسي الذي استمر لأكثر من سنتين، وأن هذه المحاولات سجلت في الساعات الماضية تقدماً ولو بطيئاً في اتجاه تدوير الزوايا واضعة في حساباتها إمكانية إعادة النظر في توزيع الحقائب وفي إمكانية ان تكون ثلاثينية بدلاً من 24 لضمان تمثيل أكبر شريحة سياسية ممكنة في الحكومة.
ويعمل «حزب الله» وفق مصادر مطلعة على خط تقريب المسافات على قاعدة و«استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، إذ ان الزيارات المكوكية التي يقوم بها مسؤول وحدة الارتباط في «حزب الله» وفيق صفا ما بين المقرات المعنية بالشأن الحكومي تحاط نتائجها بسرية تامة، علماً ان لا مبادرة محددة للحزب في مسألة التأليف، وأن إطلالة السيّد حسن نصر الله يوم الجمعة القادم ربما تكون مناسبة لإطلاق بعض الإشارات الناجمة عن هذا التحرّك إن كان ذلك في السياق السلبي أو الإيجابي.
وقد حرصت هذه المصادر على ضخ جرعات تفاؤلية في إمكانية ان نكون على مسافة قريبة في عملية التأليف، وقد عزّز هذا الاعتقاد ما نقل عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي من ان الاتصالات بشأن الحكومة العتيدة أصبحت أفضل من السابق، رافضاً تحديد مهلة زمنية معينة لولادة هذه الحكومة، وقال: لن اقول فول حتى يصير بالمكيول.
وركز الرئيس برّي على قانون الانتخاب الذي يعتبره الأساس وبيت القصيد، حيث يلحظ ان هناك خطراً على هذا القانون في حال أكل موضوع التأليف مساحات إضافية من الوقت الذي يتوجّب ان يكون مخصصاً للبحث عن قواسم مشتركة بين القوى السياسية تؤدي في المطاف إلى اعداد قانون جديد للانتخابات، لأن هذا القانون يُشكّل تكوين السلطة، مع تمسكه بقاعدة النسبية.
وفي هذا السياق، فإن مصادر وزارية ترى انه طالما ان النظام اللبناني بعد اتفاق الطائف يقوم على الحكومات الجامعة فإن هذا يعني ان مسألة تأليف أي حكومة ستكون صعبة، وهذا يلاحظ من خلال المراحل التي مرّت بها عمليات تشكيل الحكومات بعد الخروج السوري من لبنان، حيث أصبحت عملية تأليف الحكومة تأخذ وقتاً، بينما خلال الوجود السوري كانت تؤلف الحكومة بشكل سريع.
وتعتبر المصادر ان هناك أسباباً عدّة تقف وراء التأخر في تأليف الحكومة في لبنان من بينها: المقاربة الجديدة لآلية تطبيق الطائف وهو ما يحاول العماد ميشال عون ان يرسيها، هذا بالإضافة إلى التطورات الدراماتيكية التي تجري في المنطقة ومن بينها ما يحصل في حلب السورية والتي ترخي بثقلها على الوضع اللبناني الداخلي، وكذلك مجيء الرئيس الأميركي الجديد ترامب ومواقفه التي اقلقت بعض الدول وجعلها تحاول الإمساك بالورقة اللبنانية.
وفي اعتقاد هذه المصادر ان غالبية القوى السياسية مرتاحة بتوازناتها الحالية وهي بالتالي تعمل للمحافظة عليها من خلال تعطيل أي اتفاق ممكن على إنتاج قانون جديد للانتخابات، وهي ترى ان تأخير التأليف فرصة مؤاتية للحؤول دون ان يكون هناك الوقت الكافي لاعداد قانون جديد قبل موعد الانتخابات في الصيف المقبل.
من هنا فإن المصادر ترى انه في حال لم يتم الاتفاق على تأليف الحكومة قبل عيدي الميلاد ورأس السنة فإن ذلك يعني اننا سنكون امام واقع يحتم بقاء حكومة تصريف الأعمال لأسابيع أو ربما لأشهر إضافية، مع ما يرافق ذلك من تجاذبات واشتباكات سياسية على مستوى الداخل.
وتوقفت هذه المصادر امام ما جرى من اعتداء على الجيش اللبناني في بقاعصفرين، معربة عن مخاوفها من ان يكون هذا الاعتداء في سياق محاولات لزعزعة الاستقرار الأمني في البلد، وهو ما يحتم ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة وترتيب البيت الداخلي لمواجهة أي تحديات قادمة، سيما وأن المجموعات الإرهابية والتي نجحت بشكل كبير إلى الآن، ربما تستغل الاشتباك السياسي الدائر حالياً للنفاذ في اتجاه إرباك الساحة اللبنانية، وهذا الأمر نبهت إليه السفيرة الأميركية اليزابيث ريتشارد خلال جولتها على المسؤولين حيث اعتبرت ان ما جرى لا يبعث على الاطمئنان ويوجب اليقظة، والاسراع في تأليف الحكومة، لأن الاستحقاقات التي تواجه لبنان تحتم اكتمال عقد سلطاته الدستورية، وهذا الأمر اجمع عليه وزراء خارجية دول المانيا وتركيا وكندا الذين زاروا مؤخراً لبنان حيث لم يغب العامل الأمني عن محادثاتهم مع المسؤولين اللبنانيين، وضرورة الإسراع في تأليف الحكومة على غرار ما جرى بانتخاب رئيس الجمهورية لأن ذلك يُشكّل عامل استقرار للبنان في خضم هذا الحريق الذي يزنر المنطقة، ناهيك عن ملف النازحين الذي يستدعي مقاربة جامعة من قبل اللبنانيين لكي لا يتحوّل مع مرور الوقت إلى أزمة حقيقية لا قدرة للبنان على معالجتها.
وتختم المصادر ان لا مصلحة لأحد في استبدال الفراغ الرئاسي بالفراغ الحكومي، لأن الخاسر لن يكون فريق سياسي بعينه إنما لبنان بأسره.